بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحمد
لله و كفى و الصلاة و السلام على رسوله المصطفى خاتم النبيين و سيد
المرسلين صلى الله عليه و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين,
أما بعد:
إخوتي في الله كلنا يعلم أهمية الزواج في حياتنا ,فهو سنة مؤكدة و نعمة أنعم الله بها على عباده لكي تستمر هذه الحياة ,فهو الحكيم سبحانه ,ما شرع أمرا إلا لحكمة بالغة. لكن بعض الناس لا يعرفون الغاية
الحقيقية من هذا الزواج , فنجد بعضهم يتزوج طمعا في مال , أو منصب لا
يستطيع الوصول إليه إلا بهذا الزواج , أو ليشبع غريزته دون أيّة مسؤولية
تجاه بيته ..., هؤلاء و للأسف ضيعوا على أنفسهم أجرا كثيرا.
تعالوا لنقف مع أنفسنا و نتساءل, لماذا نتزوج؟
لنحاول أن نصلح نياتنا و نتعرف على بعض الحكم التي من أجلها أباح الله لنا الزواج ,و التي هي سر استمرار الحياة الزوجية و نجاحها,فإليكم إخوتي بعضا منها:
1-التقرب من الله و محبته:
إن
أهم شيء في الزواج هو أن تنوي به القرب من الله,أن يبحث كل شاب او شابة عن
شريك صالح يعينه على طاعة الله و يكون مرآته, يشجعه إن أحسن و ينبهه إن
أخطأ. فما أجمل أن تكون الحياة الزوجية مبنية على طاعة الله و يكون الرابط
الذي يجمع بين الزوجين هو حب الله, فيكونان بهذا الحب بإذن الله من السبعة
الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فكلنا يحفظ حديث هؤلاء السبع الذين يظلهم الله بظله ومن ضمنهم :".. رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه..."(الحديث).و ما أحسن أن يكون هذان الشخصان اللذان اجتمعا على حب الله و افترقا عليه هما الرجل و امرأته.
2-اتباع سنة النبي صلى الله عليه و سلم:
الزواج
سنة من سنن الرسول المصطفى صلى الله عليه و سلم و كذلك الأنبياء من قبله,
ومن عزف عنه يكون قد خالف السنة كما جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:"جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها ، فقالوا : أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبدا ، وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله أني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني) ." رواه البخاري ومسلم
فأنت بهذا الزواج تكون قد اقتديت بنبيك و اتبعت هديه و أحييت سنته فـتأجر و تثاب إن شاء الله.
3-السكن:
من
حكم الله في تشريع الزواج أن يوفر لنا,سكنا من أنفسنا يكون رفقة لنا في
هذه الدنيا المليئة بالكدر و الهم ,نبوح له بأسرارنا و نشركه في أمورنا
كلها .كما قال عز و جل وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ
لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم / 21
فالرجل يحتاج لامرأة تؤنسه ,فحين خلق الله سيدنا آدم و أسكنه الجنة استوحش رغم كل ما يوجد فيها من نعم , فخلق الله له حواء من ضلعه الأعوج الذي يحمي القلب ,لماذا ؟ لتحمي قلبه , فالمرأة خُلقت من المكان الذي ستتعامل معه, لكي تكون زوجةً حنونة وأما رحيما و أختا عطوفا.
و
المرأة بدورها تحتاج لزوج يكون عونا وسترا لها في هذه الدنيا , رجل يصونها
و يشاركها همومها و أفراحها ,فيبنيان معا بيتا تملأه المودة و الرحمة و
التعاطف. فسبحانك ما أعدلك و ما أرحمك بنا يا الله
4-العفاف:
ومن
ضمن الحكم التي شرع الزواج من أجلها :العفاف . لأن الله خلق الإنسان و زين
له كثيرا من الشهوات أي جعلها من طبيعته لا يمكنه أن يغيرها, كما قال عز و
جل: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآب﴾ ]آل عمران:14]
هذه
الشهوات موجودة في كل واحد منا لا يمكن إنكارها, لأننا فطرنا عليها أي
أنها من الغرائز , ولأن الله رحبم بنا , وهو أعلم بحالنا ,علمنا كيف نستمتع
بهذه الشهوات في حدود الشرع و بلا إفراط و لا تفريط , فشرع لنا الزواج لكي
نقاوم به شهوتنا , فنكون بهذا الزواج قد حصنا أنفسنا و استمتعنا بما أحل
الله لنا بطرق مشروعة و مباحة.فكثير من الناس يعتقد أن الإسلام حرم كل شيء و
لم يترك للإنسان حريته , هؤلاء لا يعرفون عن الدين شيئا , و نسوا قول الله عز و جل
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ
وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ
الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأعراف:32]
5- تكثير النسل و إنشاء جيل مسلم :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) صححه الألباني فى صحيح الجامع (3940)
فمن غايات الزواج تكثير نسل هذه الأمة فأنت بهذا الزواج تكون قد ساهمت في زيادة عدد المسلمين و كثرت من أمة سيدنا محمد إسنادا
لما جاء في هذا الحديث ,فاحرص على أن تربي أبنائك تربية صالحا قائمة على
حب الله و العمل لهذا الدين لكي تنتفع بهم هذه الأمة ,و احرص على أن تكون
أسرتك مثالا للأسرة المسلمة الملتزمة بشرع الله فتنشئ لهذا الدين فرسانا يحملون راية الاسلام.
6-إدخال السرور على قلب مسلم:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (أحبّ
الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحبّ الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله
على مسلم ، أو تكشف عنه كربةً .. )[ رواه ابن أبي الدنيا وحسَّنه الألباني ]
تخيل
أخي فرحة تلك الفتاة حين تتقدم لطلب الزواج منها , كيف سيكون حالها و ما
مقدار سعادتها وهي ترى أن أحلامها التي لطالما رسمتها في مخيلتها بدأت
تتحقق , وأنها أخيرا و جدت الرجل المناسب لها , و تخيلي أختي مدى سعادة ذلك الشاب حين يعلم أنك قبلت الزواج منه بعد أن انتظر ردك في شوق و ترقب.
7-الرفقة الصالحة و التنافس على طاعة الله:
الزواج
هو خير طريق للحصول على الرفقة الصالحة. فقد يعيش أحدنا في وسط به منكرات
ولا يجد من يأخذ بيده إلى طريق الله و لطالما بحث عن رفيق صالح يؤيده و
يثبته ,فإن أحسن المرء اختيار شريكه في الحياة يكون بهذا قد كسب رفيقا
يعينه على طاعة الله و يتنافس معه عليها و يبني معه بيتا خاليا من المنكرات بعيدا عن الفتن قريبا من الله. و هذا لا يتحقق إلى بصلاح الزوجين معا.
8- مشروع لجمع الحسنات:
نعم
إخوتي يمكننا ان نجمع جبالا من الحسنات بهذا الزواج, كل ما علينا هو إصلاح
نياتنا و إليكم بعض الأعمال التي يثاب الزوجين على فعلها بالإضافة إلى ما
تم ذكره سابقا :
*النفقة على الاهل:
الرجل ملزم بالنفقة على زوجته و اولاده و لكنه يثاب على هذه النفقة إن أصلح نيته و جعل ما ينفقه لوجه الله و امتثالا لأوامره
فعن
أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن
المسلم إذا أنفق على أهله نفقة يحتسبها كانت له صدقة ) . رواه البخاري
(55) ومسلم (1002) .
*حسن التبعل للزوج:
أختي إليك هذه البشرى من رسول الله صلى الله عليه و سلم,"
جاءت أسماء بنت السكن الأنصارية الأشهلية- رضي الله عنها-الملقبة بخطيبة النساء. جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، إن الله بعثك للرجال والنساء كافة فآمنا بك وبإلهك، وإنا معشر النساء محصورات ، ومقصورات مخدورات، قواعد بيوتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات، وفضلتم علينا بشهود الجنائز، وعيادة المرضى، فضلتم علينا بالحج بعد الحج، وأعظم من ذلك الجهاد في سبيل الله , وإن الرجل منكم إذا خرج لحج أو عمرة أو جهاد، جلسنا في بيوتكم نحفظ أموالكم، ونربي أولادكم، ونغزل ثيابكم، فهل نشارككم فيما أعطاكم الله من الخير والأجر؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم بجملته- يعني بجسده- وقال: ( هل تعلمون امرأة أحسن سؤالا عن أمور دينها من هذه المرأة )قالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تسأل سؤالها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أسماء، افهمي عني، أخبري من وراءك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتباعها لرغباته يعدل ذلك كله. فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر وتردد : ( يعدل ذلك كله، يعدل ذلك كله ) » [أخرجه البيهقي في شعب الإيمان].
نعم
أختي يا من أتعبتها خدمة زوجها و أرهقها شغل بيتها ,تمعني في هذا الحديث و
احفظيه لتصلحي نيتك و لتعلمي أن كل ذلك العناء و الشقاء هو جهاد في سبيل
الله و أن ثوابه لا يعلمه إلا الله , كلما فترت و غلبتك نفسك تذكري هذا
الحديث وستعلو همتك بإذن الله و ستبدلين كل ما تستطيعين لأنك ستنوين بذلك العمل التقرب من الله فينقلب تعبك و شقاؤك إلى سعادة و راحة
*المعاشرة:
قال
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((....وفى بضع أحدكم صدقة ))قالوا
يارسول الله, أيأتى أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال : (( أرأيتم لو
وضعها فى حرام, أكان عليه فيها وِذرٌ؟ فكذلك إذا وضعها فى الحلال, كان له
أجر)) صحيح: أخرجه مسلم (1006)\
ما
أعظم هذا الدين , يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر,أتعلم لماذا لأنك
اخترت أن تضعها في الحلال ,فكان من جود الله و كرمه ان يثيبك على عملك ,
فسبحانك ما عبدناك حق عبادتك ,
*اللقمة في فم الزوجة:
أيها الزوج أتعلم أن أعظم صدقة هي لقمة تضعها في فم زوجتك إن جعلتها لوجه الله,قال صلى الله عليه و سلم:" إن أعظم الصدقة لقمة يضعها الرجل في فم زوجته" رواه البخاري.
بعد هذا كله أليس الزواج بمشروع للوصول إلى الجنة ؟
نعم
إخوتي إن عرفنا قدر هذه النعمة و استعملناها في ما يرضي الله و كانت نيتنا
خالصة لوجهه نكون بهذا قد كسبنا الخير الكثير فلنحرص على أن لا نضيع هذا
الخير .
***كلمة لكل المقبلين على الزواج***
-أبدأ كلامي معك أخيتي , لماذا أنتي أولا ,لأنك مفتاح قلب زوجك فيجب عليك أن تعرفي كيف تفتحي ذلك القلب.
اعلمي أختي أن
أولى الناس بك هو زوجك فلا تقدمي أحدا عليه ولا تقدمي رأي أحد على رأيه
كوني له الزوجة الصالحة , التي تقوم بواجباتها تجاهه على أحسن حال, ,و
تذكري جيدا أن طاعتك له واجبة -إلا فيما حرم الله – و أنه جنتك و نارك , فقد
روى أحمد (19025) والحاكم عن الحصين بن محصن : أن عمة له أتت النبي صلى
الله عليه وسلم في حاجة ففرغت من حاجتها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم
أذات زوج أنت ؟ قالت نعم قال : كيف أنت له ؟ قالت ما آلوه ( أي لا أقصّر
في حقه ) إلا ما عجزت عنه . قال : " فانظري أين أنت منه فإنما هو جنتك
ونارك " أي هو سبب دخولك الجنّة إن قمت بحقّه ، وسبب دخولك النار عن قصّرت
في ذلك .
و
اعلمي أن لذلك الزوج أهلا و أماًّ ربته و سهرت عليه الليالي و كم انتظرت
أن يكبر و يعوضها عن بعض ما عانته,فأحسني إليها و لا تنافسيها عليه فهي أحق
به منك (":أَعظَمُ الناسِ حَقّا على المرأةِ زَوجُها وأعظَمُ الناسِ حَقّا على الرّجلِ أُمُّه " ورواه الحاكم والنسائي بلفظ) .
فكوني لها كالبنت لأمها و أعيني زوجك على طاعتها و برها فرضى زوجك من رضاها.
وإن
ابتلاك الله بزوج لا يحسن معاملتك فاعلمي أنه اختبار من الله ليرى صبرك و
تحملك ,فلا تعامليه بالمثل بل قومي بواجباتك و لا تنتظر رد الجميل , لأن
المؤمن يتعامل مع الله لا مع الناس ويعلم أن المكافئة عند الله خير من أية
مكافئة أخرى فاصبري و احتسبي.
وتذكري حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم:أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة> رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ.
-أما
أنت أخي ,فاعلم أن بين يديك فتاة تركت اهلها و بيتا ولدت و ترعرعت فيه و
انتقلت إلى بيت لا تعرفه ,لكي ترعاك و تخدمك و تملئ بيتك حبا و ومودة فلتكن
لها خير زوج و خير مؤنس و عاملها بالتي هي أحسن , فما اكرمهن إلا كريم و
ما أهانهن إلا لئيم , و اعلم ان لها حقوقا عليك فلا تضيعها و أنها أمانة في
عنقك ستسأل عنها يوم القيامة فأحسن كما أحسن الله إليك.
و لا تنسى قول الله- عز و جل- : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) ]النساء:19]
وفي الأخير اعلما أن هذه الدنيا دار فناء ,لا دار بقاء, فاعملا لآخرتكما واجعلا من هذا الزواج طريقا للجنة
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزق لكل مسلمة زوجا صالح و لكل مسلم زوجة صالحة و أن يبارك لكل زوجين و يؤلف بين قلبيهما و أن يعطي كل عقيم ذرية صالحة و أن يقرب كل بعيد و أن يعطي كل ذي حاجة حاجته و أن ينور بيوت المسلمين بالقرآن و السنة و أن يردنا إليه ردا جميلا و يجمعنا مع من يحب في الدنيا و الآخرة إنه ولي ذلك و مولاه
اللهم ارزقنا العفاف و التعفف و التقى و الغنى و جنبنا الحرام يا ذا الجلال و الإكرام
هذا وما كان من صواب فمن الله و ما كان من خطئ فمني و من الشيطان
سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك
اللهم صل على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم
بقلمي المتواضع
دمتم في أمان الله و حفظه