اريد أن أعيش آلامي وحدي......بقلمي
لم يكن الأمر مجرد مزحة كما ادعت فهي كانت تعني ما قالته ذلك اليوم، اعتقدنا جميعا أنها كانت مجرد دعابة من دعاباتها المعتادة،
فقد كانت روحها مرحة وقلبها أنقى من هذه الورقة التي أخرب بياضها بمداد قلمي،
لم تفارقها الابتسامة يوما رغم أن الحزن كان يسكن قلبها إلا أنها لم ترضى أن تكون سبب حزن لاحد،
ما أخطأ جدي حين اختار لها اسم "كنزه" فقد كانت بالفعل كنزا بدون خريطة، فلم يفز به أحد.
بما أنهم قالوا الجمال زائل وأن الجمال جمال الروح فلن أصف ملامح جمالها الفاتن الذي كان يذبل مع مرور الأيام،
لن أبالغ في وصف قوامها الممشوق ولا حركاتها الرشيقة،
سأكتفي ببشاشة وجهها و نقاء روحها و طيبة قلبها فهذا سيضفي السلام في خاطري،
ربيع العام الماضي
في يوم ربيعي بجو جميل خرجنا لتناول وجبة الغذاء في الحديقة،
لم نبدأ الأكل بعد لأنها تأخرت عن المائدة نادتها أختي "كنزه" ؟ نحن ننتظرك... الأكل سيبرد...
جاءت وهي حاملة صحن السلطة الكبير وألقت علينا ابتسامة اعتذار عذبة، جعلت الكل ينسى الانتظار
إلا أختي التي أنبتها... كعادتها لا تستطيع الصبر على شيء،
قالت: "كنزه" ما هذا التأخير؟ جعلتنا ننتظر حتى برد الطعام...
أجابتها بمرح: تعلمين كنت أتم إعداد السلطة... حسنا أنا آسفة لن أتأخر ثانية...
-سوف نرى هل سنتخلص من عادتك السيئة تلك أم لا؟
- لا تقلقي أختي فعاجلا ستتخلصين منها ومني أيضا
استحمليني فقط لوقت قصير و أعدك لن يطول
تغيرت نبرة أختي و كأنها أدركت كم كانت فضة بكلامها:
كنزه لما تقولين هذا الكلام؟....تعلمين أنني لم اقصد لومك أنا امزح فقط
أجابتها كنزه بصوتها الطفولي :
-اجل عزيزتي أنا اعلم ذلك كنت امزح أيضا...ابتسمت و قامت من مقعدها قبلت أختي و عادت لمكانها
رأيت دمعة في عينها كانت تحاول جاهدة إخفاءها لكنها لم تستطع فانهمرت الدموع وانفجرت بالبكاء
هنا تدخل أبي ليؤنب أختي على ما اقترفته بإزعاجها لعمتي الصغيرة أخته المدللة ..."كنزه"
لم تتركه يفعل... فلم يكن كلام أختي هو سبب تلك الدموع،
شككت في ذلك أيضا لأنني اعرف عمتي جيدا و اعرف أن قلبها اكبر و أوسع ليضيق بكلام تافه كهذا...
علمت أنها تحمل من الهموم الكم الكبير ليدمي قلبها ويدمع عينها...
لكن كيف لي أن اعرف مما تعاني ؟ كيف سأتمكن من كشف سرها الذي تخفيه عنا؟
كيف يمكنني مساعدتها وهي التي لا تسمح أن تكون عبئا ولا تملك أن تشكي همها ولا أن تسبب حزنا لأحد...
قررت أن افعل شيئا من اجلها، و أحاول معرفة ما يحزنها لأساعدها في تخطيه، بدأت أراقبها وأتقرب منها أكثر من السابق
سولت لي نفسي أن اقتفى أثرها و اتبعها لأعلم أين تذهب؟ و لما؟ و من تزور؟ و متى؟ و لأي غرض ؟
معاملتها لي تغيرت و أصبحت فيها بعض الرسمية وكأنها اكتشفت ما كنت أقوم به و أساءت فهمي،
لم أكن أريد أن تصل الأمور إلى هذا الحد، فأنا أثق في عمتي و أحبها ولا أريد أن اخسر ثقتها بي وحبها و تقديرها لي ...
لكني بالمقابل عزمت على معرفة الأسرار التي تخفيها عنا...
استمر ترقبي لها لمدة كبيرة لكني لم اكتشف شيئا فهي تذهب للشركة التي تعمل بها صباحا ،
و إذا خرجت للتسوق
بالمساء فإنها تذهب مع أختي أو أمي ، أحيانا ما تزور صديقتها مريم في
منزلها أو صديقتها سامية إما في البيت أو في العيادة....
كل ما توصلت إليه كان طبيعيا، لم يساعدني على معرفة شيء جديد عنها ولا على اكتشاف ما يمكن أن يسبب حزنها...
استمر الحال على ما
هو عليه إلى أن قررت الاستسلام ونسيت الأمر، خصوصا بعد ملاحظتي أن حالتها
عادية ولا يظهر عليها الحزن دائما، أقنعت نفسي أنني كنت واهما في
اعتقادي...
لم يدر العام على
ذلك اليوم الذي قالت فيه تلك الكلمات لأختي حتى علمت أنني لم أكن مخطئا و
أنها ما كانت مزحة بل كان كلامها نتيجة هم اكبر من أن يتحمله شبابها ...
غادرتنها ولم تترك سوى رسالة تودع فيها كل أفراد العائلة كان فيها مقطع يخصني:
"عماد، ابن أخي، أعلم انك ستشتاق لي كثيرا وستفتقد مزاحي الثقيل، كما اعلم انك تحبني وما فعلته كان حبا لا شكا،
منذ علمت بمرضي قررت أن لا احد سيعرف غيري أنا وسامية، طبيبتي،قررت أن اعيش الآلام وحدي،
لذلك لم أعطك الفرصة لتكتشف شيئا، فإن فعلت فسوف تتألم لحالي و لحالك، لأنك ستقف عاجزا أمام مشكل ليس له حل،
ابن أخي تأكد أنني أحبك و أقدرك واحترامي لك زاد عن السابق لكنني أردت التظاهر بالعكس لحمايتك فقط "
أحبك ايضا يا عمتي و ادعوا أن تكوني من أهل الجنة ....آمين
بقلمي