عنصر التشويق وأثره في إنجاح العملية التربوية
أستاذ :مجيد الحداد
تعتبر
مهمة التدريس من بين المهام الأشد تركيبا وتعقيدًا ، فهي ليست حرفة عادية
كباقي الحرف الأخرى التي يخضع جهد الممتهن فيها لنمطية معينة مدروسة و
معلومة المداخل والمخارج، إنما هي عملية لا تستقيم على طريقة واحدة ، ولا
تركن إلى نهج منضبط ، وتتعدد مداخلها ومخارجها بتقلب الظروف و الأجواء ، و
طبيعة الدرس المعالجَ ، وسر ذلك يكمن في كون العلاقة هنا : علاقة مدرس
بمتعلم ، ومعلوم أن أصعب ما في الأمر ، التعامل مع العنصر البشري كالمتعلم
الذي يعتبر عالما مجهولا، وغامضا أحيانا ، ويزداد غموضا في سن المراهقة ،
حيث يخضع لتحولات سريعة و مشاعر متقلبة ، مما فرض على المدرس أن تكون لديه
معرفة معمقة بهذه الشخصية .
إن التدريس كما يعرفه عدد من المهتمين : "
علم وفن " ، علم يخضع لجملة من المبادئ والمعايير التي لا بد من توفرها في
كل مدرس ، ونعني هنا المستوى العلمي و البيداغوجي . و فن ومهارة لا تكتسب
إلا بالممارسة الميدانية ، ولا تصقل إلا بالتجربة المستمرة ، وهذا هو بيت
قصيدنا .
إن من عوامل نجاح المدرس في درسه ، استحضاره لعنصر التشويق
والإثارة ، الذي يمكن المتعلم في أغلب الأحوال من الانقياد للدرس بكل
تلقائية وعفوية .
أحببت أن أسلط الضوء على هذا الموضوع ، لاقتناعنا
ويقيننا بأن هذا الأمر يعد من ركائز نجاح العملية التربوية ، ويحضر بقوة
عندما يتعلق الأمر بمواد العلوم الإنسانية .
يعمل التشويق في الدرس عملا
عظيما في أخذ انتباه المتعلم وجعله يتفاعل وجدانيا ، ويشارك بكل بما يحظى
به من مؤهلات معرفية و مهارية ، وجرت العادة أن الخطابات التي تفتقر لهذا
العنصر ، غالبا ما تكون مملة وتصرف المخاطبَين عنها ، بالرغم من أهمية
المحتوى وجديته ، وبالرغم من مستوى المخاطَبين وقدرتهم على استيعاب الخطاب ،
أما و الحال يتعلق بالمتعلم المراهق الرهيف الشعور ؛ الذي لا يجتهد كثيرًا
في استيعاب الخطاب ، فإن عنصر التشويق يعتبر من لوازم شد انتباهه ، و يفشل
الدرس أحيانا عند غياب هذا العنصر بالرغم من مجهود المدرس ومستواه العلمي .
إن
اعتماد المدرس عنصر التشويق في درسه ليس أمرًا هينا ، خاصة في هذا العصر
الذي انفتح فيه المتعلم بشكل لم يكن معهودًا ، على عدد من المثيرات التي
أفرزتها التغيرات الحضارية الحديثة ، و التي يعد عنصر التشويق من بين
أساسياتها . لقد انفتح المتعلم اليوم على عدد من المنافسات على رأسها وسائل
الإعلام ، خاصة المرئية منها ، التي فرضت نفسها بالقوة ، واكتسحت أذهان
المراهقين من المتعلمين وغيرهم ، ومررت العديد من القيم التي بدأت تطفو
يوما بعد يوم على سلوك المتعلم المراهق ، و لا مجال للمقارنة بين حجم ما
يتلقاه المتعلم من وسائل الإعلام ، وبين ما يمكن أن يستفيذه من خلال حصة
دراسية في مادة التربية الإسلامية مثلا .
على المدرس أن يدرك بحضور
منافس قوي يشد انتباه المتعلم ، وهذا المنافس يتفانى في توظيف العديد من
الوسائل المثيرة ، ويزداد الأمر صعوبة في ظل الوسائل التقليدية التي
يعتمدها المدرس في إنجاز الدرس ، ففي الوقت الذي يقتصر فيه المدرس على لوحة
سوداء ، ووسائل تقليدية ، فإن وسائل الإعلام المعاصرة توظف كل العناصر
التي تسرق انتباه المتعلم وبسرعة.
لكن على الرغم من اعتبار عنصر التشويق
في الدرس ، وشد انتباه المتعلم أمرًا ليس بالهين في ظل هذه التغيرات ، إلا
أنه لا يعتبر أمرًا مستحيلا . يستطيع المدرس الماهر أن يخلق أجواء داخل
فصله مشحونة بالإثارة و التشويق ، ويكون لها أثرًا عظيما في إنجاح الدرس
وتحقيق الكفايات المطلوبة ، بالرغم من المستوى العلمي المتواضع الذي يحظى
به كل مدرس؛ لأن هذا الأمر يرتبط أساسا بالقدرات المهارية ، أكثر مما يرتبط
بالقدرات المهنية ، وقد جرى التأكيد عند خبراء التنمية البشرية أن القدرات
المهارية ، هي التي تحسم في مسألة نجاح أو فشل الشخص ، وتحظى بنسبة متفوقة
على القدرات و المؤهلات المهنية التي تتوفر عند كل شخص حسب ميدان امتهانه
واحترافه .
إن الأمر يحتاج من المدرس أن يستنفر طاقاته ، و يستفرغ وسعه ،
ولا يدخر شيء من مجهوداته ، في محاولة إقناع المتعلم وإشباع رغباته
ومتطلباته ، وجعله ينقاد طواعية للدرس . إن الأمر يحتاج مهارات فنية ، لا
تكتسب إلا بالتجربة المستمرة ، وبالممارسة الميدانية مع فئات المتعلمين ،
خاصة المراهقين .
من خلال هذه المساهمة سوف أقترح بعض الخطوات التي
أراها مهمة وكفيلة في تحقيق عنصر التشويق ، وهذه المقترحات هي من ثمرات
تجربتي الميدانية التي أكسبتني بعض المداخل ، التي نفهم من خلالها احتياجات
المتعلم خاصة المراهق و متطلباته من الدرس .
إن السر في نجاح الدرس كيف
ما كان موضوعه ، رهين باستيعاب عالم المتعلم ، واكتشاف البعد المهاري و
الحس حركي و المعرفي في شخصيته ، مع العلم أن هناك جوانب تظل غامضة لا يمكن
فهمها واستيعابها إلا بعد الإصغاء و الاستماع الجيد للمتعلم ، وحبذا لو
كانت هناك نوادي داخل المؤسسات التعليمية تعنى بهذه القضية ؛ لأنها مفتاح
لتفسير عدد كثير من المشكلات التربوية التي تقع داخل المؤسسات ، كظاهرة
العنف المدرسي وغيرها .
قبل الحديث عن بعض العناصر المطلوبة لتحقيق عنصر
التشويق والإثارة في الدرس ، أحببت أن أبدأ ببعض الأسباب التي هي جملة من
المثبطات ، التي تنفر المتعلم من الدرس ، وتصرفه عنه ، من بين هذه الأسباب
على سبيل المثال لا الحصر:
1. البعد عن الواقع في معالجة الدرس ، والمقصود هنا بالواقع ، واقع المتعلمين و اهتماماتهم .
2.
الرتابة و الجمود على أساليب تعليمية تقليدية ، وعدم الانصراف عنها ، كأن
يعتمد مثلا المدرس الطريقة العمودية في جميع فقرات درسه .
3. الافتقار إلى ضرب الأمثال ، واستحضار النماذج المناسبة عند معالجة قضايا الدرس .
4. عدم مراعاة خصوصيات الفئة المستهدفة ، من حيث كيفية التواصل ، و اللغة ...إلخ .
5. السرعة والاستعجال في إنجاز الدرس ، بصرف النظر عن تحقق المراد منه .
6. عدم إفساح المجال للحوار بين المتعلمين ، لتبادل وجهات النظر بينهم .
7.
تغليب الجانب الكمي على الكيفي ، أو بعبارة أخرى التركيز على الجانب
المعرفي ، مقابل إغفال الجانب السلوكي و المهاري أو الامتثالي ، خاصة في
مادة التربية الإسلامية الحاملة للقيم ، والتي تعتبر فيها المعرفة معرفة
وظيفية ليس إلا .
8. عدم التموقع و التموضع الجيد داخل الفصل ، الذي لا يمكن المتعلمين من الانشداد إلى المدرس .
9. التوتر و الارتباك في معالجة الدرس ، والذي يدل صراحة على عدم جودة الإعداد وجديته .
10. خلو الدرس من اللطائف و المستملحات التي تثير الدافعية لدى المتعلمين .
11.
المرور مرور الكرام على بعض التدخلات ، والاستفسارات ، و التساؤلات ، التي
يطرحها بعض المتعلمين ، مما يشعرهم بعدم الاكتراث ،فلا يعاودون الكرة مرة
أخرى .
12. عدم إفساح المجال للخطإ ، وتوفير جو من الحرية للتلميذ يشارك بواسطتها بكل ما يملك من مؤهلات معرفية ووجدانية .
13.
العنف في الخطاب أو تعنيف المتعلمين ، الذي لا يغير قناعة ، ولا يصحح
تمثلا ، ولا يرسخ قيمة ، ويفقد أحيانا بواسطته المدرس أواصر الارتباط بينه
وبين تلامذته .
هذه بعض الأسباب التي تنزع الحياة عن الدرس ، وتقتل
بوادر الإقبال عليه ، وتبعثر طموحات كل متعلم فيه ، وتجفف منابيع التشويق
والإثارة ، وتجعل عمل المدرس يدور في حلقة مفرغة مع كل حصة دراسية ، فلا
يقوى بعدها على العمل، ولا يجد أحيانا من يصغي إليه ، فتخور قواه وتتعطل
عطاءاته ، ويستحوذ عليه الكسل والجمود ، حتى يصيرا ديدنا له . وعندما نتأمل
في واقعنا نجد العديد ممن بلغ هذا المستوى ، بسبب من الأسباب المذكورة ،
وصار يرى في مهنة التدريس مجرد تكاليف تنتهي بانتهاء المدة الزمنية المخصصة
لكل حصة دراسية . في ظل هذه الأجواء ينكسر الجد و يأفل نجم الحيوية ، ولا
تتحقق الجودة المنشودة .
بناء على ما سبق نستطيع أن ندرك مدى أهمية حضور
عنصر التشويق في الدرس ، الذي يعيد أواصر الارتباط بين المدرس ومتعلميه،
ويبعث على الحيوية و النشاط لكلا الطرفين .
ثمة وجود العديد من العناصر
المساعدة والمعينة على ذلك ، سنقتصر في الفقرات الآتية على بعض منها نراها
مناسبة ولها أهمية قصوى ، وهي عناصر ضرورية وليست مستحيلة ، ولا يملك
المدرس التماس الأعذار فيها بحكم أنها صعبة المنال وليست في المستطاع ، بل
هي مجموعة من المهارات تكتسب طبعا بالتجربة وتصقل بالممارسة الميدانية ،
وهذه العناصر حاولنا أن نستوحيها من واقع تجربتنا ، دون الرجوع فيها إلى
المصادر والمراجع المهتمة بالموضوع ، علما أن المطلع عليها قد يجد العديد
منها مما لم نقف عليه في مساهمتنا هذه ، وقد تعمدنا عدم الرجوع إلى المصادر
و المراجع المهتمة بالأمر ، واقتصرنا على واقع تجربتنا ، حتى نكون أقرب من
واقع العلمية التربوية و حتى نكون صادقين ما أمكن .
إن من بين العناصر التي تضخ الحياة في الدرس و تشوق المتعلمين إليه ، وتحفزهم على الانخراط فيه والاقبال عليه بكل تلقائية، ما يلي :
الانطلاق من وضعية مشكلة تعالج واقع المتعلم وتتمحور حول اهتماماته.
الانطلاق
من وضعية مشكلة ، فرصة لاكتشاف واقع المتعلم ، و فهم تمثلاته ، وهذا من
حسنات البيداغوجيا الجديدة المبنية على المقاربة بالكفايات . إذا اجتهد
المدرس في التركيز على اهتمامات المتعلمين ، ودمج الدرس بقضايا تهم المراهق
، استطاع أن يشد أذهانهم و يشوقهم في الدرس ، وكلما كان الدرس بعيدًا عن
اهتمامات المتعلم كلما انصرف عنه ، لذلك ينبغي على المدرس أن يختار لكل درس
منفذا من المنافذ يطل بها على واقع المتعلم ، ومن خلال تجربتنا فإن هذه
النقطة نعتبرها جوهرية في حضور عنصر التشويق والإثارة في العملية التربوية .
المطلوب
من المدرس أن يكون مطلعا على اهتمامات المتعلمين مستشعرًا للقضايا التي
تثير حب الفضول فيهم . على سبيل المثال أغلب المتعلمين في سن المراهقة
يجبون المواضيع الرياضية ، خاصة كرة القدم ، لا بأس أن يقحم المدرس جانبا
من هذه الجوانب في الدرس إذا كانت خادمة له ، ولو حتى من أجل تغيير تمثل ،
أو ضرب مثل ، أو ترسيخ قناعة ، أو فكرة ...
تنويع المدرس للطرق و أساليب التدريس.
لكل
درس خصوصياته ينفرد بها عن الدروس الأخرى ، و المدرس ينبغي أن يختار الطرق
المناسبة لكل درس على حدة ، بل إن تنويع الطرق و الأساليب مطلوبة حتى داخل
الدرس الواحد ، ومن بين الأخطاء التي يقع فيها العديد من المدرسين أنهم
يلتزمون بطريقة واحدة ، وبأسلوب واحد في إنجاز الدرس ، هذا الأمر من بين
الأسباب التي تؤدي إلى فشل التعلم على الرغم من المستوى المعرفي للأستاذ .
أتذكر نموذجا من الأساتذة الذين تتلمذنا عليهم ، كان يلتزم بطريقة واحدة ،
وبأسلوب واحد في جميع الحصص ، ولا يجتهد كثيرًا في التنويع وإضفاء الجمالية
على الدرس ، فكان التلاميذ يشعرون بالملل المقيت كلما ولجوا حصته ،
وبالمقابل نتذكر نماذج من الأساتذة كنا نشعر بالمتعة ونحن في حصتهم ، ولا
زلنا نتذكر مواقف عظيمة جمعتنا بهم .
ضمن هذا العنصر ينبغي على المدرس
أن يجتهد في التنويع من المستندات البيداغوجية ، من صور ، وجرائد ، ومقاطع
فيدو إن أمكن ... لأن هذه العناصر تسرق انتباه المتعلم بسرعة ، وما يمكن أن
يقدمه درس في غضون نصف ساعة أو حتى ساعة ، يمكن أن تختصره صورة معبرة في
غضون دقيقة أو دقيقتين .
استعمال أساليب الإيضاح والتخلص من التعقيد والغموض.
من بين العناصر المساعدة على تحقيق عنصر التشويق و الإثارة داخل الدرس ، اعتماد المدرس أساليب الإيضاح المناسبة لكل درس على حدة .
ثمة
وجود العديد من أساليب الإيضاح المعتمدة في العملية التربوية ، كالجداول
والخطاطات و الترسيمات ، وغيرها من الأساليب المناسبة التي لا ينبغي للمدرس
أن يدَّخر شيئا منها في إنجار الدرس ، بل عليه أن يختار منها ما يراه
مناسبا للدرس أو لقضية جزئية فيه ، ومعلوم أن استعمال هذه الأساليب يقتضي
خبرة وتجربة ، كما يتطلب من المدرس الإعداد الجيد والتفكير العميق المسبق
في الوسيلة المناسبة للمكان الناسب ، في الدرس المناسب ،من أجل تحقيق هدف
أو كفاية ما .
وكلما كان الدرس خاليا من هذه الأساليب المساعدة على
الفهم و الإفهام كلما نفر المتعلم منه ، لأن هذا الأخير سيما إذا كان
مراهقا لا يبدل الكثير من الجهد في فهم الخطاب و استيعاب العديد من جزئياته
، وإدراك مقاصده ومراميه ، ولا يقوى المدرس على شد انتباهه وتشويقه ، إلا
إذا وظف بعض أساليب الإيضاح المناسبة ، خاصة إذا كان الأمر يتعلق ببعض
المعارف التي ربما قد يراها المراهق جافة أحيانا ، ولا تثير الدافعية نحو
التعلم ، كدروس الإرث الخاصة بمادة التربية الإسلامية مثلا، التي لا يمكن
أن ينشد المتعلم إليها ، ويتشوق في معرفة تفاصيلها ، بدون حضور بعض
الأساليب المعينة على ذلك .
وتجد الإشارة إلى أن جميع الدروس ليس
مطلوبا وضروريا أن يوظف فيها المدرس أساليب الإيضاح ، فالبعض منها لا يحتاج
إلى هذا الأمر ، بقدر ما قد يحتاج إلى عناصر أخرى ، كالتي سبقت الإشارة
إليها ، والتي ستأتي لاحقا .
تنظيم وترتيب التعلمات ، واعتماد أسلوب التدرج مع المتعلم ، واستدراجه لإيجاد الحل بنفسه.
إن القضية التي يناقشها الدرس كيف ما كانت ، إذا اعتمد المدرس فيها أسلوب التدرج ، فإن المتعلم ينقاد إليها .
أن
يعمد المدرس إلى اختصار قضية ما ، ويعرضها عرضا مسترسلا بدون مقدمات ولا
ممهدات ، لاشك أن هذا الأمر من بين أقوى الأسباب المنفردة من الدرس ، لذلك
ينبغي للمدرس أن يتفنن في اختيار واصطفاء الأسئلة البنائية المناسبة التي
تثير فضول المتعلم ودافعية للتعلم . كثيرًا من المدرسين يشكون من كون
المشاركة الصفية ضعيفة ، وغير مشجعة لهم ، لكن قلما يعيدون النظر في كيفية
صياغة الأسئلة .
إن المراهق يحب الفضول ويتسم بالجرأة ، ويحب دائما أن
يكون له السبق في الوصول إلى الحل و الجواب الصحيح ، فلماذا لا تستثمر هذه
العناصر ، فيستدرج المدرس المتعلم بأسئلة بنائية يصحح من خلالها التمثلات
الخاطئة ، و يغير القناعات السلبية ، ويترك المتعلم في النهاية يكتشف الحل
بنفسه .
إن اعتماد أسلوب التدرج في بناء الدرس من أقوى الأسباب المعينة
على أخذ انتباه المتعلم وتشويقه في الدرس ، وقد أبانت التجربة هذا الأمر .
مرونة المدرس خاصة في التعامل مع الأسئلة، بأن يطرح السؤال بصيغ مختلفة تثير الحافزية عندما تقل المشاركة خصوصا.
ينبغي
للمدرس أن لا يتملكه اليأس ويستحوذ عليه الملل ، ويفقد الأمل عندما يجد
فئة من المتعلمين لا يتفاعلون معه ، قد يكون المشكل في الصيغة التي طرح بها
السؤال ، أو يحتضن السؤال عبارة غير مفهومة ، أو لا يسمع جزء منه ،
والمدرس الماهر هو الذي يتصف بالمرونة في درسه كله ، فيعيد طرح السؤال بصيغ
مختلفة ، ويجرب كل الطرق التي بواسطتها يتحقق الفهم و الإفهام ، قد تكون
طريقة واحدة من بين عدد كثير من الطرق هي المناسبة في إفهام جزئية معينة ،
إذا لم يكن المدرس مرنا ومسددا ومقاربا ، ومفتشا عن الحلقات المفقودة بينه
وبين تلامذته ، لا يستطيع أن يشد انتباههم ويجلبهم إليه .
إن مسألة
المرونة من بين أهم العناصر التي تضخ الحياة في الدرس ، والمرونة تقتضي
الصبر، إذا لم يكن المدرس صبورًا لا يمكن أن يكون مرنا ، والصبر مطلوب في
العلمية التربوية ، بل إنه من آكد الأمور، لأن التعامل مع العنصر البشري
ليس بالأمر الهين كما سبق وأن أشرنا ، قد يستفز التلميذ المدرس ، قد يتجرأ
عليه ؛ لأن المراهق من سماته الجرأة ، قد يكون عنيدًا ، أو مشاكسا ... كل
هذه مواقف تستدعي الصبر والمرونة والتعامل بالحكمة في معالجتها ، وأشد
الناس صبرا الأنبياء لذلك نجدهم من أعظم المربين و المعلمين ، وعلى رأسهم
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي سبق النظريات التربوية في عدد كثير من
الفقرات .
إفساح المجال للحوار بين المتعلمين .
هذه النقطة لها
من الأهمية بمكان ؛ حيث أن المتعلم ينتبه لزميله ويصغي إليه أكثر من المدرس
، ويغفل عنها العديد من المدرسين بحجة أن الوقت لا يسمح لهم بذلك ، وقد
ثبت بالتجربة أنه كلما طلب من التلاميذ التعقيب عن تدخل زميل لهم ، أو
إبداء أرائهم حول وجهة نظره ، تجد عندهم رغبة زائدة في المشاركة ، وأنا
شخصيا أحب أن أترك المجال للحوار بين التلاميذ خاصة إذا كان الأمر يتعلق
بنشاط معين كندوة أو محاضرة ، حيث أجدهم يتشوقون أكثر في الانخراط في
الدرس، ويزداد تشوقهم عندما يكون الأمر يتعلق بقضايا وظواهر تخصهم ، لهذا
ينبغي أن يفكر المدرس ـ كما سبق وأن أشرنا ـ في كل درس في قضية من قضايا
الشباب يجعلها منطلقا في إنجاز درسه ، ثم إن المدرس تكون عنده فرصة من حوار
المتعلمين يكتشف من خلالها تمثلاتهم وانطباعاتهم ، وأنا أعتقد أن معرفة
تمثلات المتعلمين جزء أساسي في إنجاح الدرس، ولهذا أعمد في غالب الأحيان في
اقتراح بعض الشبهات التي تستفز أذهان التلاميذ وأترك لهم المجال لإدلاء
أرائهم حولها ، خصوصا عند بداية كل درس ، فيكون الإقبال على المشاركة مكثفا
بشكل غير مسبوق .
الابتسامة الدائمة والحركية المتوازنة داخل الفصل، وتوزيع النظر على مجمل التلاميذ، وحسن الإصغاء إليهم.
هذه
عناصر قد تبدو للوهلة الأولى بسيطة ، ولكن التجربة أيقنتنا أن لها تأثيرًا
عميقا جدًا في شد انتباه المتعلم وتشويقه للدرس ، وغالبا ما يكون الجفاء
في العلاقة بين المدرس و المتعلم سببا في نفور المتعلم وعدم إقباله .
الابتسامة
لوحدها ، لها تأثير كبير في نفس المتلقي ، تجعله يشعر بانتفاء الحواجر
بينه وبن مدرسه ، و تخلصه من التحرج والتخوف من الخطإ ، فيقبل بكل تلقائية ،
ويشارك بما يملك من مؤهلات . بعض المدرسين يعتقد أن الابتسامة داخل الفصل
تعبير عن ضعف شخصية المدرس وعدم صرامتة ، والحق أن جدية المدرس وصرامته شيء
، و ابتسامته في وجوه تلاميذه شيء آخر.
أما حركية المدرس داخل فصله
وحيويته ـ وهذا ما سنراه في العنصر اللاحق ـ دليل على جديته واهتمامه ،
كلما أحس المتعلم بجدية مدرسه كان ذلك من دواعي الإقبال عليه وأنا شخصيا لا
أستطيع أن أشد انتباه المتعلمين وأشوقهم في الدرس بدون هذا العنصر ، خاصة
إذا كان القسم مكتظا بالمتعلمين . كما ينبغي على المدرس توزيع النظر على
جميع تلاميذه ، إشعارا لهم بأنهم محط عناية و اهتمام وتقدير، فكلما أشعرت
المتعلمين بقيمتهم ، وأظهرت الاهتمام بهم ، أسرت قلوبهم وملكتها ، ثم إن
التلميذ ينتبه بسرعة عندما تنظر إليه إذ يحس أنه معني بالخطاب ، وتتولد
لديه حافزية قوية كلما نادى عليه المدرس باسمه.
أما الإصغاء للمتعلمين
فهو من أعظم الوسائل التي تجلب قلوبهم للدرس ، والناس عموما يحبون أن يسمع
إليهم ، ثم إن هذا الأمر من بين المهارات المطلوبة في التواصل التربوي،
ونحن هنا نتحدث عن أثره في تشويق المتعلمين للدرس و المدرس،
ليكون
المدرس مستمعا ماهرًا عليه أن ينصت جيدًا لمتعلميه ، وأن يكون متابعا
ومتفاعلا ، ومبتسما وهو يستمع إليهم ، ذلك كله له أثر عميق في نفوسهم ، حيث
يشعر المستمع إليه بأن له قيمة ، وقد يخترع قصصا وبطولات لأجل أن يهتم
الناس به ، فيكتسب بذلك المدرس حب تلاميذه له ، وإذا أحبوه أحبوا درسه
وتشوقوا إلى معرفة تفاصيله .
الوقت الذي ينبغي للمدرس أن يستغله في
الاستماع إلى متعلميه هو عند بداية الدرس عندما يعرض الوضعية المشكلة التي
تثير تمثلات العديد منهم ، وقد سبق وأن أشرنا إلى هذا الأمر في عنصر "
إفساح المجال للحوار بين المتعلمين " .
جدية المدرس و حيويته.
لا
يمكن بتاتا أن يتواجد عنصر التشويق في الدرس ، والمدرس لا يتمتع بقدر من
الجدية والحيوية ، فهما أمران متلازمان، ومتطابقان . المدرس الذي يتملَّكه
الارتهان والكسل ـ وكثير ما هم ـ ، يصعب عليه ، إذا لم نقل يعسر عليه أن
يجعل المتعلم يحظى بنصيب من التشويق في الدرس ، لأنه لم يأخذ بأسباب ذلك
وعوامله .
أحب أن أشير هنا إلى نقطة مهمة ، هي رأس الأمر وذروته في نجاح الدرس ، ألا وهي قابلية المدرس لإنجاز درسه .
كثيرا
ما نتحدث عن قابلية التلاميذ للتمدرس ، ونشكوا من ضعف هذه القابلية ، هذا
الأمر صحيح ، وهو في تراجع مستمر مع كامل الأسف ، ولذلك أساب وعوامل كثيرة
ليست موضوع حديثنا ، لكن هل سألنا يوما ما عن قابلية المدرس لإنجاح درسه ،
قبل ولوجه للفصل الدراسي، كثيرًا من المدرسين بمجرد دخولهم للفصل يتملكهم
شعور وكأنهم في صندوق مقفل ، ينتظرون الوقت الذي يرن فيه الجرس للخروج .
كيف يمكن للمدرس الذي ينتمي لهذا الصنف ، أن يخلق أجواء من التشويق و
الإثارة داخل الفصل ؟ خلاصة الأمر : إن فاقد الشيء لا يعطيه .
إن حيوية
المدرس و جديته و قابليته ، من أهم الأسباب المعينة على التشويق و الإثارة
داخل درسه . ولا يمكن للمدرس أن يكون حيويا وجديا إذا لم يكن دائما يبحث عن
الجديد الذي يثير المتعلمين في الدرس ويأخذ بأذهانهم ، لا يمكن أن يكون
المدرس حيويا إذا كان يعتمد على الكتاب المدرسي المقرر ، ولا ينصرف عنه قيد
أنملة ، ولا يمكن أن يتحقق هذا كله إذا لم يكن المدرس رجل عصره وزمانه ،
متتبعا ومواكبا للمستجدات ، ومطلعا على كل ما يجري في واقع المتعلم الفكري و
الثقافي و الأخلاقي ...
الاقتصاد في الخطاب وحسن استعمال الكلمات والمفردات.
جملة
من العناصر المساعدة على إيجاد عنصر التشويق و الإثارة داخل الدرس ، تتعلق
أساسا بخطاب المدرس ، وكلما كان المدرس مجددًا لخطابه معتنيا به ، مصطفيا
لما يصلح فيه وما يجعله يلامس متطلبات المتعلمين واهتماماتهم ، كلما استطاع
أن يجلبهم إليه ويشوقهم فيه ، ومن جملة ما ينبغي للمدرس أن يأخذه بعين
الاعتبار : الاقتصاد في الكلام .
إن الاقتصاد في الكلام مهارة من
المهارات المطلوبة خاصة في التواصل التربوي ، ويقتضي هذا الأمر أن يكون
الكلام دقيقا ومختصرًا وهادفا ، وأن يميز المدرس بين ما يجب قوله ، وما لا
داعي لقوله ؛ بأن يختار من المفردات و الجمل والعبارات ، ما يصلح لدرسه ،
وما يكون مساعدًا للمتعلم على الانشداد و الانتباه إليه ، ينبغي للمدرس أن
يختار من الكلام ما يمكن أن يحبه المتعلم المراهق ؛ لأن من أساليب جلب
الناس وإثارتهم اختيار الأحاديث التي يحبونها ، طبعا إذا كانت تنسجم ولا
تتعارض مع مقاصد المخاطب أو الدرس ، وكلما كان الكلام مختصرًا كلما كان
علميا و أكثر إقناعا للمخاطب ، إذ الخطابات التي يكون في استرسال غالبا ما
يطغى فيها الجانب الأدبي الشاعري على الجانب العلمي . البعض يعتقد أن جودة
الدرس ومعايير نجاحه مرهونة بكثرة الكلام والاسترسال فيه ، والحقيقة أن
المتعلم خاصة المراهق غير مستعد للاستماع طويلا ، لأنه يحب الفضول
والـتعقيب ، ولا يتمتع بالصبر الكافي على المخاطب ، ولهذا ينفر العديد من
المتعلمين من الدرس بسبب هذا الأمر ، وقد أبانت التجربة على أن الاسترسال
في الكلام لمدة خمس عشر دقيقة ، أو حتى أقل ، غير مشجعة على جلب المتعلمين
وتشويقهم في الدرس .
ومن مقتضيات الاقتصاد في الخطاب ، أن يكون هذا
الأخير خاضعا لإعداد جيد ، والإعداد للدرس ينبغي أن يتم التركيز فيه على
الخطاب و لا يتحقق بمجرد الرجوع للكتاب المدرسي والبحث عن بعض المستندات
البيداغوجية . إن الإعداد المثمر هو الإعداد الذهني ؛ كأن يجلس المدرس
ويفكر جيدًا في درسه ، ويفترض أنه داخل الفصل الدراسي أمام تلاميذه ، ثم
يختار في الخطاب ما يناسب الفئة المستهدفة ، ويفكر جيدا في الأشياء التي
يمكن أن تثيرهم وتشوقهم.
إذا لم يخضع خطاب المدرس للإعداد المحكم ، فلا محالة أن سيقع في الارتجال والاجترار، وهذه العناصر غالبا ما تحكم على الدرس بالفشل .
هذه
جملة من العناصر التي تضخ الحياة في الدرس ، و تخلصه من الجمود و الرتابة ،
وتشحن عزيمة المتعلم ، و توقظ حب التمدرس فيه ، وتجعله ينقاد إلى الدرس
والمدرس بكل طواعية وتلقائية ، وهي في الحقيقة ليست مستحيلة أو صعبة المنال
. قد يعتقد المدرس أن الموضوع المعالج لا يساعد أحيانا على إيجاد عنصر
التشويق فيه ، لكن العناصر التي سبق أن عرضناها هي ترتبط في الجوهر بالجانب
المهاري الذي يتمتع به كل مدرس ، إن هذا الأخير هو الذي يملك زمام الأمور ،
وهو الذي يحكم على الدرس بالنجاح أو بالفشل ، والواقع أن هناك مواضيع جد
مثيرة ، لكن الأداء المهاري يحكم عليها بعدم النجاح ، والعكس صحيح .
نتمنى
أن نكون قد وضعنا الأصبع على الجرح ، وأتينا على مجمل العناصر المساعدة
على التشويق في الدرس ، ولا نعزم أن هذه المساهمة المتواضعة هي جملة
التجارب و خلاصة الأمر، بل الحق أن يقال : أن تجربتنا لا تعدو أن تكون حلقة
في أرض فلاة ، وثمة العديد والمزيد ، نرجو الله تعالى أن يوفقنا لمعرفتها ،
و أن يقيض من يكشف عنها إن سميع مجيب .