administrator
4923 21/03/2011
| موضوع: الطب الاندلسي نضرياته وتطبيقاته الأحد 22 أبريل 2012, 12:51 am | |
|
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ☼~♥;(¯ _´ [b]
الطب الأندلسي نظرياته وتطبيقاته [/b]
[b]
[/b]
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على حبيبنا ورسولنا محمد بن عبد الله خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه اجمعين , الحمد لله , نحمده ونستعينه , ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن , اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك أنت مولانا ونعم الوكيل , اللهم اغفر لمن قرأ هذا , اللهم اغفر لهم ولآبائهم ولأرحامهم
ربِّ اشرحْ لي صدري ويسِّر لي أمري واحلل عُقدةً من لساني يَفقهوا قولي
الطب الأندلسي نظرياته وتطبيقاته بداية الطب الأندلسي وتطوره :
كيف بدأ الطب الأندلسي ؟ وكيف تطور ؟ هل كانت صناعة الطب ـ عموماً توقيفه ألهما الله عبادة ؟ أم هل كانت وضعية تواضع الناس عليها تلقائياً وبمقتضى الضرورات الملحة فاعملوا عقولهم ، وأجرو ا تجاربهم ، ومارسوا طريقة المحاولة والخطأ Trial and error فتوافر لديهم ـ آخر المطاف ـ شيء من لاشيء وتوفروا ـ في نهاية الأمر على علم قائم بذاته ، له قواعده وأصوله ؟؟ .
من الصعب تتبع هذه الأسئلة والإجابة عنها في هذه العجالة إنما يكفي أن أشير إلى أن الدلائل تدل على أن الطب إنما هو وليد الوحي والإلهام من جهة ، وثمرة التجربة والمعاناة من جهة ثانية . يقول العلامة أبو العباس احمد بن أبى أصيبعه السعدي (1 ) ( ت . 668 ـ 1269 م ) : " وبالجملة فإنه قد يكون من هذا ( ويعني الإلهام ) ومما وقع بالتجربة والاتفاق والمصادفة أكثر ما حصلوه من هذه الصناعة ، ثم تكاثر ذلك بينهم ، وعضدة القياس بحسب ما شدوه ، وأدتهم إليه فطرهم ، فاجتمع لهم من جميع ذلك .. أشياء كثيرة . ثم إنهم تأملوا تلك الأشياء واستخرجوا عللها ، والمناسبات التي بينها ، فتحصل لهم من جميع ذلك قوانين كلية ، ومبادئ عامة …." ثم يعقب بملاحظة جديرة بالإعجاب حين يقول : " إنه ليس يلزم أن يكون هذا مختصاً بموضوع دون موضع ، ولا يفرد به قوم دون آخرين ، إلا بحسب الأكثر والأقل وبحسب تنوع المداواة ولهذا فإن كل قوم هم مصطلحون على أدوية يألفونها ، ويتداوون بها … " ثم يضيف قائلا ً : يمكن أن تكون صناعة الطب في أمة أو في بقعة من الأرض فتدثر وتبيد بأسباب سماوية أو أرضية كالطواعين المفنية والقحوط الجلية، والحروب المبيدة والملوك المتغلبة والسير المخالفة فإذا انقرضت في أمة، ونشأت في أمة أخري وتطاول الزمان عليها ، نسي ما تقدم، وصارت الصناعة تنسب إلي الأمة الثانية دون الأولي …
طبقاً لهذا المقياس السليم ، كانت للطب الأندلسي ملامحه الخاصة ، وشخصيته المميزة ، وتبعاً لهذا القياس المنطقي أردت الإسهام بهذا الموضع الدقيق، علني أستطيع ـ عبر ضباب القرون تلكم الملاحم ، وإبراز تلك الشخصية على قدر ما أتيح لي من فهم وإدراك أو ما توافر لدي من مراجع عربية وغير عربية .
نواة أو عدة نوي ، بني عليها، ونماها على مر الزمان . إن الطب قديم قدم البشر على وجه البسيطة ، فالإنسان البدائي حتى في مرحلة الصيد وجمع الثمار ، وهي أدني مراحل حضارته ـ عرف كيف يداوي الجروح، ويجبر الكسور، ويرد التخلعات من المجازفة القول بأن الشعب الفلاني هو أبو عذرة الطب . بل الرأي الأسد القول بأن الطب ثمرة تعاون الشعوب قاطبة : قاصيها ودانيها ، قديمها وحديثها .
يقول أحد علماء الأسبان :يعتبر الطب الأندلسي مزيجاً من الكيمياء المسيحية، ومن بقايا الثقافة الإغريقية الرومانية، ومن الثقافة القوطية الغربية Visigotica
وفي مكان آخر قال : إن أطباء شبه الجزيرة الايبيريه خلال قرن الترجمات (الثالث الهجري/ التاسع الميلادي) كانوا يعتمدون كثيراً على دروس الطبيب المسيحي تياذوق الرئيس الروحي لمدرسة ظلت تغذي الطب الخلفي (بالأندلس) أثناء أعوام كثيرة " .
والحق أن الطب الأندلسي ثمرة ذلك كله، إلي جانب الطب النبوي الذي حوته صدور بعض الصحابة والتابعين، والمعارف الطبية العربية- المغربية التي حذفها بعض الفاتحين. حقيقة أننا لا نتوفر على قائمة أو كشف بأسماء الأطباء الطبيعيين Physicians الذين رافقوا الحملة، ولا على مراجع طبية أو تاريخية تكشف لنا عن طبيعة المعالجات،ونوعها، ولكن، مما لا ريب فيه أن الحملة التي قادها البطلان: طارق بن زياد الليثي وموسى بن نصير، لم تكن لتخلو من رجال نابهين في فن المعالجة يتولون التخفيف من آلام الجرحى، ويسعون في شفائهم بمختلف الوسائل، كما لم تخل من أبطال ضحوا بأرواحهم في ساحات الوغى، وجاهدوا في الله حق جهاده.
من خلال المراجع المتوافرة الآن، نجد قوائم طويلة بأسماء الأطباء الذين زاولوا مهنتهم الطبية في بيئات وعصور مختلفة حتى عصر الجاهلية وصدر الإسلام، فمن ذلك- مثلاً- الحارث بن كلدة وابنه النضر (ابن خالة رسول الله، ) وعدوه اللدود في الوقت ذاته)، ثم ابن أبي رمثة التميمى، وعبد الملك بن أبجر الكناني الذي مارس تدريس الطب بمدينة الإسكندرية قبل الفتح الإسلامي، وقد تم إسلامه فما بعد على يد والي مصر حينئذ الأمير عمر بن عبد العزيز، ثم زينب الأودية التي قال في حقها الشاعر أبو سماك الأسدي :
أمخترمي ريب المنون ولم أزر | طبيب بني أود ـ على النأي ـ زينبا ؟ |
ويظهر أن الشاعر زار هذه الطبيبة فيما بعد، وشفته من مرضه كما عالجت ابن أخيه من بعده، وشفته من مرض ألم بعينيه. وتذكر المصادر أن المريض- وهو ممدد علي فراش العلاج- استشهد بهذا البيت، فقالت له الطبيب المعالجة: إنني أنا المعنية بهذا البيت وعمك هو قائله.
لاشك أن سائر البلدان العربية- الإسلامية- ومن ضمنها الأندلس- كانت تحتضن مثل هؤلاء الأطباء الرواد الذين مارسوا التطبيب بنجاح، وحذقوا حتى بعض لغات العجم كالفارسية والسريانية، والعبرية، والإغريقية، واللاتينية، ونقلوا منها إلى العربية.
ومهما يكن من أمر، فالمعلومات الطفيفة التي تتوافر لدينا عن مزاولة الطب الأندلسي في القرنين الثاني والثالث الهجريين (الثامن والتاسع الميلاديين)، لا تسمح لنا بإعطاء صورة كاملة ونهائية عن الطب العربي بالأندلس، ولكننا نستطيع القول بأن عرب الأندلس لم يكونوا منزوين أو معزولين في شبه جزيرتهم، بل كانوا يعيشون عصرهم، كما كانوا على اتصال وثيق بمعاصريهم، وكانوا موقنين بأن العلم لا يعترف بحدود أو قيود من أي نوع كانت. والدليل أن أي كتاب طبي يؤلف في الشرق، يكون له صدى في الغرب، والعكس صحيح.
ألف أبو بكر محمد بن ذكريا الرازي (ت 313 هـ- 925 م) كتابه " الحاوي "، فاعتبر معلمة طبية وجهت الطب الأندلسي وجهة علمية لم يحد عنها بتاتاً. وكذلك ألف الطبيب علي بن العباس الأهوازي (ت 3330 هـ/ 944 م) كتابه " الملكي " فكان له صدى بالأندلس حميد. ويعتبر هذا الكتاب قاموس طب وصيدلة، بل موسوعة تناولت معلومات العصر في سعة وإسهاب لم يتمكن حتى الإغريق من التوصل إلى محاولتها أو ادعائها، على حد تعبير بعض العلماء.
ليس معنى هذا الكلام، أن أطباء الأندلس، كانوا مجرد امعات مقلدين، بل كانت لهم شخصيتهم العلمية، وكانت لهم أفكارهم ونظرياتهم وتجاربهم وكتبهم التي كانت تعبر الحدود إلى الشمال تارة فيكب الأوربيون على دراستها مترجمة إلى لغتهم اللاتينية، وإلى الشرق تارة أخرى حيث كانوا يرحلون هم أنفسهم فيستفيدون ويفيدون.
تطور ملموس:
في الأعوام التي تلت الفتح الأندلسي، كان يسود ميدان الطب، نوع من الجبرية والاعتقاد بالقضاء والقدر، يتمشى مع تعاليم المجتمع الإسلامي وتقاليده وتطلعاته، فكان الأطباء يكتبون في مواضيع كشف الطالع، وعن تأثيرات النجوم والأجواء Atmospheres وعن تحول المعادن من خسيس إلى نفيس، وكانت عمليات الفصد (لوحة ا) والحجامة تجرى عندما يوجد القمر في وجه من أوجهه المعلومة، أو حينما يحتل منزلة من منازله المعروفة. ثم إن الأعشاب الطبية يجب أن تجمع تحت برج معين. ولكي يكون عمل الحكماء مجدياً، كانوا يلجئون إلى جمل مبهمة، وتعازيم ورقى، وكان البعض منهم يقبعون في عقر ديارهم ليعلقوا على جدرانها جثثاً محنطة للبوم Barn والهام Barn - Owls والتماسيح ، وليعرضوا في قنيناتهم وقواريرهم ضفادع البر Toadsوالأجنة Foetusوالعقارب وغيرها من الحيوانات القذرة التي تثير الاشمئزاز أحياناً وليبيعوا بثمن الذهب سوائل وأشربة ومراهم ذات تركيب سري عجيب.
كما كانوا يعالجون مرضاهم على طريقة الكهانة الروحية Necromacyويحيطون أنفسهم بمظاهر معينة، ويقومون بطقوس خاصة تضفي على أعمالهم ألواناً من الجدية والمهابة والوقار المصطنع أحياناً .
سرعان ما ينضج جيل من الأطباء جديد، فيبدأ رد الفعل ضد هذه الممارسات غير المعقولة أحياناً. يأخذ هذا الجيل في شق طرق وطرائق جديدة مثمرة، طبعت الطب الأندلسي القائم الذات الثابت الكيان، بطابع خاص يكاد يخلو من التأثيرات الغريبة أو المتعلقة بالسلف Ancestral
إن المذهب التجريبي الذي كانت تعالج به الأمراض حسب المعتاد، وقع التخلي عنه في الأندلس، وتولى الأطباء الأندلسيون علاج مرضاهم حسبما تتطلبه حالة كل منهم على حدة، مع الالتفات إلى شهية المريض، وبنيته، وخلقه ومزاجه. إن الفكرة التي أصبحت الآن مقبولة على النطاق العالمي، وهي فكرة أنه لا توجد أمراض، وإنما يوجد مرضى، تبدو الآن واضحة جلية في الطب الأندلسي، سواء في ناحيته العلمية النظرية، أو في مجالاته العملية لتطبيقية.
وهكذا، بعد أن كان الطب مذهبياً عقيدياً Dogmatic ونمطياً روتينياً" في الأعوام الأولى من تاريخ الإسلام بشبه جزيرة إيبيريا، أصبح في النهاية، في أواخر القرن الثالث الهجري ( أواخر التاسع الميلادي) يكسر القوالب القديمة، ويفتح آفاقاً جديدة لم يكن يلمحها أحد من قبل. ويشرع الأطباء في التفكير بطرق خاصة، ويناقشون القديم، ويسمحون لأنفسهم بإبداء الرأي السديد النزيه.
كتاب ديوسقو ريديس :يزدهر الحكم الأموي بالأندلس، ويعتلي عرش البلاد عبد الرحمن الثالث الذي لم يلبث أن أعلن نفسه خليفة وأميراً للمؤمنين، وتلقب بلقب " الناصر لدين الله ". خطب وده ملوك أوربا وهادوه، ومن هؤلاء إمبراطور بيزنطة قسطنطين السابع الذي أرسل إليه سنة 336 هـ 948 م سفارة تحمل هدايا من جملتها نسخة إغريقية أصيلة من كتاب ديوسقو ريديس Dioscurides المعروف باسم " المادة الطبية " Materia Medica
وبما أن الأندلسيين لم يكونوا يتقنون اللسان اليوناني فإن الخليفة أرسل إلى الإمبراطور قسطنطين، يسأله إرسال أحد العارفين باللغتين معاً: الإغريقية واللاتينية، فبعث له الراهب نيقولاس الذي وصل إلى قرطبة سنة 340 هـ 951 م. وتم تعريب الكتاب على أيدي فريق من العلماء فيهم المسلم والمسيحي واليهودي، لأن البحث العلمي من جهة وروح الإسلام السمحة من جهة أخرى، لا يعترفان بالتميز العنصري أو الديني بأي حال من الأحوال.
قامت اللجنة بمهمتها خير قيام، فبحثت عن مقابل الاسم الإغريقي في اللغة العربية أو في اللهجة الأندلسية. وكان لزاماً أن تسقط اللجنة من اعتبارها، النباتات التي لا تنمو بالأندلس، وأن تترجم فقط تلك التي تنمو بها، مع إضافة النباتات الخاصة بالأندلس والتي لا توجد في الأصل الإغريقي. ولأجل هذا الهدف، كان لا بد من الطواف بأنحاء المملكة، في رحلات استكشافية تجول في السهل والجبل، في الداخل والساحل، بغية جمع النباتات، وجمع الملاحظات، والموازنة. وبعبارة أخرى: إنجاز مهمة الدراسة والبحث على خير وجه ممكن، في ميادين علوم النباتات " Pharmacology والطب. وسيظل هذا الكتاب قطب رحى البحث العلمي في الأندلس ردحاً من الزمان، حيث سيدرسه وينقحه ويؤلف في موضوعه علماء أندلسيون عديدون كسليمان بن حسان المعروف بابن جلجل، وأبي جعفر أحمد بن محمد بن السيد الغافقي وهو غير طبيب العيون محمد بن قسوم بن أسلم الغافقي مؤلف كتاب (المرشد في الكحل)- ومثل الوزير أبي المطرف عبد الرحمن بن وافد اللخمي. وبعبارة أخرى يمكن القول بأن علم المعالجة النباتية Terapeutica Vegetal قد بدأ يؤتى ثماره الناضجة وهكذا أنجزت دراسات هامة عديدة عن خانق الذئب، وحب الأنيسون حبة الكلاوة ، والحماض ، والترياق.. وأنتجت أدوية كثيرة مثل الحبوب الكبيرة Bolus بلوعات وأقراص، وقطرات عيون، ولعوقات، وزيوت ومراهم، ولازوقات ، وحقن شرجية (الجهاز والمادة)... إلى غير ذلك.
إن دراسة النبات كعلم، وممارسة الطب كمهنة، وتطبيق النظريات العلمية كفن، كل ذلك أصبح الآن عملاً قومياً ممتازاً، وبات في الإمكان حينئذ التحدث عن طب إسلامي- أندلسي صميم. وعن مدرسة علمية شاملة، تزعمها عالم أندلسي قح، هو أبو القاسم مسلمة بن أحمد المجريطي ثم القرطبي (ت 3940 هـ/ 1004 م) الذي عاش في زمن الخليفتين الأمويين الحكم الثاني وابنه هشام الثاني، ولم يلتحق بالرفيق الأعلى، إلا بعد أن شغل بنبوغه، وشمل بفضله وعلمه وتعليمه عدة أجيال. وهكذا نجده على الرغم من أنه كان مهندساً وفلكياً أكثر منه طبيباً، ينجب أتباعاًَ وتلاميذ عديدين، لم ينجب عالم بالأندلس مثلهم، معظمهم برع في الرياضيات والهندسة والتنجيم، إلى جانب فن التطبيب. ونذكر منهم على سبيل المثال لا الاستقصاء:
v أبا القاسم أصبغ بن محمد بن السمح، المهندس الغرناطي المتوفى في رجب 426 أبريل 1035.
v أبا القاسم أحمد بن عبد الله بن عمر بن الصفار القرطبي، ثم الداني. وتوفي بدانية من أرض الأندلس.
v أبا الحسن علي بن سليمان الزهراوي(نسبة إلى مدينة الزهراء قرب قرطبة)، وهو غير أبي القاسم الزهراويالآتي الحديث عنه بعد، فقد تتلمذ على مسلمة، وصحبه مدة.
v أبا الحكم عمرو بن أحمد بن علي الكرماني القرطبي ثم السر قسطي. رحل إلى المشرق، وجلب إلى الأندلس- لأول مرة فيما يعتقد- " رسائل إخوان الصفا ". كان الكرماني مهندساً وطبيباً جراحاً .
v أبا مسلم عمر بن أحمد بن خلدون الحضرمي، من أعيان اشبيلية كان فيلسوفاً ومهندساً ومنجماً وطبيباً
| |
|
administrator
4923 21/03/2011
| موضوع: رد: الطب الاندلسي نضرياته وتطبيقاته الأحد 22 أبريل 2012, 12:52 am | |
| طعام الحمية:
ورد في الأثر أن "المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء"، وروى عن النبي r قوله: "نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع ". ويأتي في القرن العشرين عالم إنكليزي هو جير الدين برايت Geraidine brayant ليؤكد ما قاله رسول الله منذ أربعة عشر قرناً عن نظام الحمية في التغذية قال هذا العالم ما يلي: { كل ما تشتهي في اعتدال، لكن- وهذه لكن كبيرة- أنه الأكل حينما تشعر أنك تستطيع المزيد قليلاً}
ثم يضيف براينت قائلاً :{في هذه الجملة الأخيرة يكمن واحد من الأسرار الحقيقية للصحة، والجمال ولطول العمر كذلك }.
أجل، إن علم الغذاء الحميي Dietetics موضوع استحق سن أطباء الأندلس كل التفات واهتمام، لأن الأطباء في الحقيقة هم قبل كل شيء، علماء في قوانين حفظ الصحة Hygienists وهكذا نراهم يؤلفون الكتب العديدة في الأدوية المفردة والمركبة ويطرقون موضوعات التغذية الصحية، والمواد الغذائية، والأشربة وأصناف الطبيخ، لا بالطريقة الأختبارية Empiric method التقليدية، التي كانت قد تبنتها المدرسة القديمة، ولكن بطريقة الملاحظة Observation والخبرة Experience معاً .
تخصصات الطب:
يبدأ التخصص في الطب، فيمهر في طب العيون " Ophthalmology مثلاً أحمد بن يونس الحراني، الذي يقول عنه أبو داود بن جلجل: " رأيت اثني عشر صبياً صقالبة، طباخين للأشربة، صناعين للمعجونات بين يديه. وكان يعطي منها- بإذن الخليقة المستنصر- من احتاج إليها من المساكين، والمرضى، كما كان يداوى العين مداواة نفيسة، وله بقرطبة آثارها ذلك.... وكان يواسي بعلمه وفنه، صديقه وجاره والمساكين، والضعفاء ومع ذلك توفي وخلف ما قيمته أزيد من مائة ألف دينار ".
ومن أطباء العيون الوزير أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن وافد اللخمي (466 هـ 1074 م) الذي ألف في هذا ألف كتاب تدقيق النظر، في علل حاسة البصر ".
وممن برز في ميدان طب العيون، ونال فيه شهرة فائقة محمد بن قاسم ( أو قسوم) بن أسلم الغافقي الذي ألف كتاباً خاصاً بأمراض العيون سماه (المرشد في الكحول)، ويوجد مخطوطاً في مكتبة الاسكوريال (بأسبانيا) ويحمل رقماً قديماً هو830 وآخر حديثاً هو 835 .
ولأهمية هذا الكتاب الذي تزدان صفحاته بأدوات طبية اخترعها مؤلفه ليستعين بها في علاج مرضاه (انظر الشكل رقم ا)، نخصه بالحديث التالي :
يذكر الغافقي أن الداعي لتأليف كتاب " المرشد " هو أنه وجد كتب أسلافه السابقين ناقصة غير مكتملة. ويعين أولئك الأسلاف بالاسم فينص على حنين ( يعني ابن إسحاق )، وتلميذه عيسى بن علي (طبيب المعتمد على أحمد بن المتوكل )، والرازي، وابن سينا وعمر بن علي، وأبي القاسم خلف الزهرأوي.
ومن التخصصات أيضاً، طب الأطفال pediatria وعلم التوليد Obstetricsويمكن القول بأن هذين العلمين ولدا بولادة كتاب للطبيب الأندلسي المعروف: عريب بن سعيد الكاتب، من أهل قرطبة (ت 369 هـ/ 0 98 م) سما 5 " كتاب خلق الجنين، وتدبير الحبالى والمولدين "، وتوجد منه نسخة في مكتبة الاسكوريال، وقد انتهى من تأليفه قبل الوفاة بنحو خمس سنوات.
ويدرس هنا الكتاب العجيب الموضوعات التالية موزعة على خمسة عشر فصلاً:
المني نوعه، وسائل تحسينه وتكثيره، أسباب العقم، كيفية التعرف على ما إذا كان الجنات الذي في الرحم ذكراً أو أنثى، لماذا أعضاء الجنين تزيد أو تنقص، الوقت الذي بمكثه في بطن أمه، الذي يحدث في الأيام الأخيرة من الحمل، نظام تغذية الحبالى، العلامات الأولى للمخاض، لسهولة الولادة، نظام تغذية النفساء، وفرة الحليب، الرضاعة، كيفية المحافظة والتوجيه لصحة المولود النمو والتحولات التي تعتريه، التسنين، طريقة علاج اختلالا ته والأسباب التي تحدثها، التدبير الغذائي الذي يجب اتباعه قبل التسنين وبعده حتى سن البلوغ.
وجدير بالملاحظة، أن علم التوليد، وعلم أمراض النساء "، Gynaecology كذلك، ظلا ضعيفين للأسباب المانعة من كشف العورة. ولكن هذه المشكلة أمكن التغلب عليها جزئياً، إذ كانت القابلات هن اللائى يحضرن عند النفاس، ويتولين التوليد. كان الأطباء المختصون يقدمن طن النصائح والإرشادات عن بعد، ويقمن هن بالتنفيذ، فينجزن عمليات: منها تصحيح وضعية الجنين في الرحم وتقليبه تمهيداً لولادته بكيفية سليمة، ومنها تشريح الأجنة وتقطيعها لاستخراجها أرباً أرباً عندما تكون الولادة مستحيلة نظراً لضيق حوض الولادة، أو غيره من عوامل النقص في التكوين.
مجلس أطباء:
تألف هنا المجلس لإبداء الرأي في علاج الحالات المرضية العويصة، وكان يجتمع خاصة عندما يمرض الخليفة، أو إحدى الشخصيات الهامة في البلاط الملكي أو الديوان الحكومي. من ذلك يروى من أن الوزير عبد الله بن بدر، مرض ابنه محمد- ذات مرة- بقروح شملت بدنه كله، فجمع لفيفاً من الأطباء، كان فيهم محمد بن فتح المعروف بطملون (مولى عمران بن أبي عمرو طبيب عبد الرحمن الأوسط)، فسألهم الوزير علاج تلك القروح، وأبدى كل طبيب رأيه، وظل طملون صامتاً، فقال له الوزير: ماذا عندك؟ إني أراك ساكتاً.. فأجاب الطبيب: عندي مرهم ينفع هذه القروح من يومه.. مال الوزير إلى تصديق كلامه، فأمره بإحضار المرهم، فأحضره، وطلى به القروح كلها، فجفت من ليلتها. وصله الوزير بخمسين ديناراً، وانصرف الأطباء الآخرون بدون صلة.
أول مرض سري:
من الأمراض السرية Venereal Diseases السيلان والزهري syphilis وهما مرضان خطران، ساد الاعتقاد زمناً بأنهما أوربيان، ولذا أطلق على كل منهما اسم " المرض الإفرنجي " لكن يبدو أن أول حالة لمرض سري، نشأت في أوروبا حقيقة، إنما في بلاد الأندلس المسلمة.
كان الطبيب المعالج هو أبو ذكريا يحي بن إسحاق، طبيب الخليفة الأموي عبد الرحمن الثالث ووزيره، وكان المريض بالسيلان رجلاً بدوياً أقبل راكباً على حمار وهو يصيح في شوارع قرطبة:
أد ركوني أد ركوني! تكلموا إلى الوزير بشأني! سمع الوزير صراخ الرجل فقال له:{ ماذا بك يا هذا؟} فأجاب المريض قائلاً :{ أيها الوزير، ورم في إحليلي، منعني البولي منذ أيام كثيرة وأنا على وشك الموت}. قال الوزير: {اكشف عنه}. كشف عنه فإذا هو وارم. قال الوزير لرجل آخر أقبل مع المريض:{ اطلب لي حجراً أملس}. طلبه فوجده وأتاه به. قال الوزير:{ضعه في كفك}، وضع عليه الإحليل. فلما فعل، جمع الوزير يده وضرب بها الإحليل، ضربة غشي بها على المريض، ثم اندفع الصديد يجري. وما أنتهي الصديد حتى فتح الرجل عينيه وبال في إثر ذلك.
قال الطبيب الوزير:اذهب فقد برئت من علتك. وأنت رجل عابث، وأقعت بهيمة في دبرها، فصادفت شعيرة من علفها لحجت (نشبت) في عين الإحليل فورم لها، وقد خرجت الآن مع الصديد .
إعترف الرجل البدوي بفعلته، وأقر بكل استنتاجات الوزير، مما يدل على صدق حدس الطبيب وسرعة بديهته، وجودة قريحته، وعلى صرامته أيضاً، فقد ثبت أنه عاقب البدوي على ذنبه .
مولد فن جديد:
لا نريد أن نغادر هذا القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي ، دون أن نعرج على معلمة من معالمه الخالدة وقع تجاهلها من بعض الباحثين، ونعني بها الطبيب النطاسي، والجراح الماهر، أبا القاسم خلف بن عباس الزهـراوي مؤلف كتب عديدة في الطب أهمها وأشهرها كتاب (التصريف لمن عجز عن التأليف) الذي يعتبر موسوعة طبية تقع في ثلاثين جزءاً، آخرها خاص بالجراحة.
ترجم الكتاب إلى البر وفنصالية provencal ،كما ترجمه إلى اللاتينية الإيطالي جيرادو الكريموني Gerardo de Cremona وإلى العبرية الحبر شم طب Sem Tob وكان الجزء الثلاثون الذي نشر باللاتينية تحت عنوان الجراحة Chirurgia أوسع الأجزاء انتشاراً، وأكثرها أهمية في تاريخ الطب كله، مما رفع مكانة الزهراويإلى طبقة أبقراط Hipocratesوجالينوس ، وجعل فن الجراحة- لأول مرة- عملاً مستقلاً عن الطب، قائماً على أساس من علم التشريح ، وعلم وظائف الأعضاء " physiologyوقد ألحق الجراح الفرنسي الشهير Guy de Chauliac (1300- 68) الترجمة اللاتينية بأحد كتبه .
ويحتوي كتاب التصريف، على رسوم توضيحية للآلات الجراحية التي صنعها المؤلف بنفسه، وكان لها التأثير البالغ في المؤلفين العرب الآخرين، وساعدت بصفة خاصة على وضع أسس الجراحة في القارة الأوروبية.
يتضح من هذا، أن أبا القاسم الزهرأوي، درس علم وظائف الأعضاء في أناة وعمق، كما افتتح بين العرب والمسلمين دراسة علم التشريح، وقام بتطبيقه فشرح جثث المحكوم عليهم بالإعدام، وجثث الموتى بالمستشفيات ممن غاب عنهم أهلهم وذووهم. ولكن عالمنا الجليل، لم يكن يلجأ إلى الجراحة، إلا إذا كان لا بد مما ليس منه بد. كان يقدم لتلاميذه نصائح غالية، تنم عن حسن إدراكه، وإخلاصه للمهنة. وتقديره للمسئولية: لا تقوما- تقوموا- البتة- بعمليات جراحية، ما لم تعرفوا بالضبط موقع الأوردة Veins والأعصاب Nervesوأوتار العضلات Tendons .
تأكيد ذو أهمية خارقة للعادة، يحدث لأول مرة في تاريخ الطب الإسلامي، ويدل على اتجاه جديد في مزاولة المهنة.
ويزيد الأستاذ في نصح تلاميذه فيقول لهم :اعتمدوا دائماً على ملاحظاتكم الخاصة. لا ينبغي لأحد منكم أن ينسى الحالات التي تعرض عليه بقصد دراستها، ذلك لأنه إذا ما قدمت له حالات أخرى مماثلة، فما يكون قد تعلمه بطريقة مباشرة يفوق كل ما خلفه لنا القدامى مدوناً في كتبهم.
بالمثل، استخدموا التجربة والخبرة :ليس من المسموح به القيام بعملية جراحية في شخص ما لم تجرب تلك العملية في الحيوانات مسبقاً، وما لم يكن لدى الطبيب اليقين الكامل، والتأكد التام، من توافر كل ذرائع الأسلوب الفني(التقنيات)، فعملية فتح القصبة الهوائية " Tracheotomy مثلاً ينبغي أن تنجز في الماعز، وطالما لم يتم إنجازها مراراً كثيرة، دون أن يموت الحيوان، فليس من المباح إجراؤها في إنسان.
ألا نلاحظ في هذه النصائح أو الدرر، نظرة شديدة الوضوح للكيفية التي يجب أن تكون عليها النظرية والتطبيق في الطب؟ أليس جديراً بالإعجاب أن تصدر مثل هذه التعليمات الفطنة من طبيب أندلسي منذ ألف سنة مضت؟
أظننا لا نستنكر أو نستغرب صدور مثل هذه النصائح من رجل عبقري، فاق أقرانه، ويرجع إليه الفضل في إنشاء فن جديد هو الجراحة.
كانت العمليات الجراحية قبل الزهرأوي، مقصورة على الفصادة، ورد التخلعات بطريقة المقاومة الفجائية، وجبر الكسور، واستخراج السهام من الجروح. وربما كان ذلك كله عملاً تافهاً مزدرى من قبل الأطباء وعملاً جيداً يجيده فقط الحجامون (الحلاقون) والعبيد، والمرتزقة الفضوليون. ولكن لما جاء الزهرأوي، أرتفع بفن الجراحة إلى الأوج وعرف كيف يخترع عدداً من الأجهزة والأدوات والأساليب الفنية، معلناً بذلك آلية الفن الجراحي الذي لم ينبعث طبقاً لبداهته العجيبة، ودفعته القوية فحسب، بل ليبلغ بفضله أهمية لم يعد ليفقدها قط.
فأبو القاسم الزهراوي استطاع في الواقع أن يربط الشرايين Arteries وأن يستخرج الأورام الليفية polypus وأن يجري عمليات صعبة لاستخراج الحصى من الحويصلة، أو لتفتيتها بالمثانة بغية إفرازها مع البول، وخاط المصارين المثقوبة، وصنع كلاليب جراحية Fptcepsمتقنة، كما صنع أجهزة تقويمية Pthopaedic Apparatus لإصلاح تشوهات المرضى أو إيقافها أو تجميلها..
استشارات طبية :
كانت المستشفيات والبيمارستانات في الأندلس خاصة وفي بلدان الإسلام عامة، أماكن للعلاج وللدراسة معاً، كما كانت الدور الخاصة عيادات يؤمها المرضى، كما هي الحال الآن، وكما كانت عند الطبيب الأندلسي المسيحي ابن ملوكه الذي جعل أمام داره ثلاثين كرسياً، يستريح عليها مرضاه في انتظار أدوارهم للكشف عنهم وعلاجهم.
ففي المستوصفات مثلاً كان يحضر المريض، ويمثل أمام الطبيب فيلاحظه ويسأله، أو يدعو بعض تلاميذه لفحصه، ثم يجري معهم حواراً مناسباً للحالة، داعياً إياهم إلى عرض كل ما يعرفونه عن المرض الذي يعاني منه الزائر. ثم يعقب ذلك شرح ضليع للحالة يقوم به الأستاذ، ثم يعين العلاج.
وفيما يلي نماذج من هذه الاستشارات الطبية:
1 رجل يشكو ألماً شديداً برأسه. يسأله الطبيب: أين الألم؟ في مقدمة الرأس أم في مؤخرته؟ وهل تحس بخفقات في الصدغين ؟ يجيب المريض : أحس كأن بهما ضربات مطرقة ! يقول الأستاذ :
ستأخذ البابونج Chamomile وورق الورد، ورؤوسا صغيرة من الخشخاش (الأفيون)، تخلص الجميع في مرجل وتضيف ماء لتغطية ذلك كله، ثم تغلي الجميع- انكب بوجهك فوق المرجل، وتنفس الأبخرة بعمق. افعل ذلك خلال ثلاثة أيام، صباحاً ومساء. وكغذاء لك، خذ كل الأشياء الرطبة السهلة الهضم.
2 مريض بالعشاء (والعشاء : الأبصار بالنهار فقط، مع عدم الإبصار كلياً أو جزئياً بالليل). يوصيه الطبيب بأن يأكل كلى جدي مشوي، ولا يتناول أي أدوية.
3 مريض آخر يحضر وثؤلول pimplفي حجم برعم بجفنه الأعلى. يبعث رئيس العيادة تلميذاً لفحص المريض. الثؤلول يتحرك، يقلب الجفن ليرى ما إذا كان للثؤلول نتوء في الداخل. لا يوجد نتوء. حينئذ يقول الأستاذ: إنها حبة برد لا ثؤلول. ينصح المريض بعمليات خفيفة من الدلك والدعك بشيء من زيت الزيتون، مع عمل لزقة ( لبيخة ) من خبز ساخن، مدة ثلاثة أيام.
4 بالنسبة لمصاب بمرض السل التدرني، يلفت الأستاذ أنظار تلاميذه إلى شكل أظافر المريض، ويطلعهم على أن أي علاج سيفشل، وإن نفث الدم سيتواصل. حينئذ ينبه الطبيب مريضه بأن لا شفاء له، فيجب أن يحرر وصيته ويستعد للقاء ربه تعالى .
في الأوج :
في المشرق كما في المغرب (الأندلس) نلاحظ ظاهرتين عجيبتين جديرتين بالانتباه:
أولاهما: ظاهرة السياسة والثقافة، فمن حيث بلوغهما الأوج، نجدهما قد لا يتلازمان، ولا يرتبطان تمام الارتباط. فقد دلت الأحداث التاريخية على أن الانحلال والتفكك السياسي قد يكون مبعث التقدم الثقافي والرقي الفكري،فهذه الخلافة العباسية تتفكك في المشرق الإسلامي، فتتولد عنها ممالك وإمارات تتنافس فيما بينها. حقيقة أنها فقدت وحدتها وقوتها السياسية، والاتحاد قوة- كما يقال- ولكن استعداداتها العقلية وقدرتها الإنتاجية في الميادين الفكرية والأدبية والعلمية والفنية تكتمل وتنضج فتبلغ الأوج.
قل مثل هذا في الجناح الغربي للعروبة والإسلام ونعني به الأندلس، انحلت الخلافة الأموية بقرطبة لتنشأ ممالك طوائف متعددة يستقل فيها الحكام بما كانوا يحكمون، وتخلف العاصمة الواحدة عواصم كثيرة تتنافس فيما بينها في ميادين العلم والأدب والفن، فيكثر الإنتاج وتزدهر البلاد.
وثانيتهما: ظاهرة الحروب الصليبية، فقد كان لها وجهان: أحدهما بشع دميم يطفح بالتجهم والعبوس وينم عن كثير من الرذائل النفسانية من حسد وغضب وضغينة وكراهية وبغض، والآخر قد يخلو من الدمامة لأنه يكتسي قناعاً جيرياً ناعم الملمس، هشاً بشاً ، يرمي إلى بعيد وكأنه على رأي المثل العربي " يسر حسواً في ارتغاء " وجه أصحاب الوجه الأول كانت " الشرق " لاستخلاص بيت المقدس من يد الكفار، بينما كانت وجهة الآخرين " الأندلس ليستقوا من ينابيعها الثرة، ويدرسوا كتبها العلمية وكتابها الديني (القرآن الكريم) ويترجموا كل ذلك إلى اللاتينية لغة العلم في أوربا آنذاك .
وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن فترة القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، تعتبر فترة الازدهار والاكتمال وبلوغ الأوج. بر زفيها كثير من فطاحل العلم ممن لا نطيل الحديث عنهم لأن أسماءهم ملء الأسماع والأبصار وأعمالهم معروفة ومدروسة وأخبارهم تطفع بها المراجع قديمها كالحديث.
يكفي القرن السادس الهجري فخراً أنه القرن الذهبي لعلوم الطب الأندلسي، وأنه أنجب أمثال أبي بكر محمد ابن يحيى بن الصائغ المعروف بابن باجه (ت 5 2 5 هـ/ 1 3 1 1 م)وأبي الوليد محمد بن رشد(ت 422 / 1031 ) وأمثال بني زهر
| |
|