مرجعكم الشامل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مرجعكم الشامل

مرجعكم الشامل
 
الرئيسيةالتسجيلأحدث الصوردخول



 

  عدالة عمياء أعدمت عدراءا بقلمي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
administrator

 عدالة عمياء أعدمت عدراءا بقلمي Starsk11
administrator


الجنس ذكر
البلد العراق
عدد المساهمات 4923
تاريخ التسجيل 21/03/2011

 عدالة عمياء أعدمت عدراءا بقلمي Empty
مُساهمةموضوع: عدالة عمياء أعدمت عدراءا بقلمي    عدالة عمياء أعدمت عدراءا بقلمي I_icon_minitimeالخميس 19 أبريل 2012, 8:50 am


زغاريد ودقّات دفوف ، وأهازيج هزّت المكان ، ونسوة يُسرعْن الخطى وراء الركب...
عروسٌ على ظهر بغلة ، متـّجهة صوب بيت عريسها ، كما سنـّتها التقاليد...
ركب الأخ الأصغر وراء العروس ، إنّه الوحيد من رجال أهلها ، ألّذي له الحق بصحبتها حتّى تمرّ ليلة الدخـْلة .

فرحت الطاهرة حين اختارتها أم الحسين من بين فتيات
القرية ، لتكون زوجة لإبنها الحسين ، الذي يشتغل بمدينة الدار البيضاء منذ
أربع سنوات ، كموظف وبراتب كبير ...
ـ ألفيْن درهم لكلّ شهر، ردّدت الأمّ بافتخار... وستعيش ابنتكم مرتاحة كأميرة ، لن ينقصها شئ ...
استرقت
الطاهرة السمع خلف ستارة الباب ، فلا يحقّ لها أن تشارك النسوة كلامهنّ
..حمدت ربّها أن نصيبها أحسن من أخواتها الثلاثة ، اللواتي تزوّجن في
البلدة ، وهنّ يساعدن أزواجهنّ في فلاحة الأرض ،وقد غرقن في العمل ،
وتحملنّ مسؤوليات أكبر ...
كلّ بنات القرية حسِدناها حين سمعن أنّها
ستعيش بالبيضاء ، وهي من بلغتْ سِنّ الصوم منذ ثلاث سنوات ، ولو تأخرت أكثر
عن الزواج ، فلن يتقدّم لها سوى أرملٌ أو مطلقٌ ذو أطفال ...


وصل الركب بيت العريس ، ورغم الفرحة الغالبة على
أجواء العرس ، فـالتوتر وحالة ترقّبٍ كانا سيّدا الموقف ، خصوصا بعد أن
أخذوا العروسة وذهبوا بها إلى مكان مجهول ، ليس لأهلها الحق في معرفته ...
وضربات
الدفوف لم تتوقف ، كما هيّ دقّات القلوب ....وحناجر البنات تزدن من رفعها
بالغناء ، حتى يثبتنّ وجودهنّ ، لعلّ بعض الأمّهات يجدنّ فيهنّ عروسات
لأبنائهنّ .


إنتظرت الطاهرة عريسها بين خوفٍ وخجل ، وهيّ ترسم أحلامها البسيطة في حياتها الجديدة ...
ـ سأكون له الزوجة المحبّة ...
لم
تدرس يوما ، وباقي فتيات القرية ، لكن تعلّمت كيف تصبح ربّة بيت ممتازة ،
وتعلّمت الطاعة للرجل ، طاعة عمياء ...هكذا أوصتها أمّها منذ أن أُعلنت
خطبتها ، وردّدت لها مرارا أنّ الزوج أصبح كلّ عالمها ، وطاعته بعد الله
فرض عليها...

فـُتح الباب ودخل الحسين ، بجلبابه الأبيض وقامته
المتوسطة ، لم تكن ملامحه جذّابة ، لكنْ هذا زوجها الآن... لم تدقّق النظر
فيه ، أخفضت عيناها حياءً واحتراما له ، تمتم بصوت غير مسموع ، فردّت عليه
السلام وابتسمت...
إقترب منها أكثر ٬ لكنّ رائحة قوية روّعتها ، إنّها
تعرفها جيّدا ، وكثيرًا ما شمّتها في أخيها ، إنّها رائحة ماء الحياة ،
لقد شرب النبيد ، و يوم زفافه ...
كانت الطاهرة جميلة جدّا بملامحها
الطفولية ، وشعرها الأسود المستدلِ على ظهرها وعلى كتفيها ، وعيونها
المكحّلة بكحل اسود ، وقد زيّنت نساء القرية جبينها بخطوط رفيعة عمودية من
الزعفران الحر والعكّار الفاسي ، ووضعوا على رأسها سبنيَة حريرية كخمار
شفاف ....هذه تقاليدهم ، لم تلطّخها بعدُ موادّ التجميل العصرية ، بلْ
بساطتها جعلت العروس تبدو أكثر جمالا وأناقة ...


أخذت دقّات الباب تستعجل العريس في الدخلة ، وأصواتٌ تمزاجتْ مع دقّات الدفوف ، دقات تزداد بعنف ..
كان
جوّا يوّتر الأعصاب لامحالة ، والحسين يدور حول نفسه وهو يلهث كحيوان مصاب
داخل قفص ، حيث تمنّتْ الطاهرة للحظة ، لو توقّف كلّ هذا وساد الصمت
لدقيقة...
إختلطتْ الأنفاس بعطور الندّ والبخور وماء الحياة ، وبعد عدّة
محاولات من الحسين دون جدوى ، وقد خانته رجولته في أحرج وقت إحتاج لها...
ضغط واستعجال أهل العريس ، وترقب أهل العروسة ...
فتح أخيرا الحسين
الباب بعصبية ... فاتجهت كلّ العيون نحوه ، وشوَش بكلمات لوزيره (وهو مرافق
للعريس )...فأُسكتتْ الطبول ، وأُطفأت الأنوار ، وأُخمدت النار ، وعمّ
المكان صمتٌ رهيب ...
دخل العريس على الطاهرة ، وأشبعها رفسا وركلا ،
وجرّها من شعرها ورماها في الغرفة المجاورة ، التي تجلس فيها قريبات العروس
، ودوّى صائحا:
ـ إبنتكم فاجرة وسافلة ، قد باعت شرفها ...إنّها طالق بثلاث.
حاولت الأمّ أن تدافع عن شرف ابنتها وسط هول الصدمة ، ورفعت دليل براءة ابنتها من التهمة : ورقة طبية تشهد بعذريتها...
ـ إنّها مزوّرة ....أنتم على علم إذن ،وخدعتمونا بتزوجي هذه الساقطة العاهرة...
قاطعته الام كأنّها تتوَسّله ، لعلّه يسمع كلامها :
ـ إنّها شهادة طبيب من مشفى عمومي ، كنت أنا وأبوها من اصطحباها إليه منذ أقلّ من أسبوع...
لم
يكترث لكلامها، وتدخلت أمّه بكلام قوي متعالٍ ، كأنّها وجدت أخيرا الطريق
لتشفي غليلها ، مِنْ مَنْ كانوا بالامس فقط أحبابها ، واليوم تبدل الوضع
اصبحوا أعداءها:
ـ دفعتمْ نقودا لشراء الشرف بشهادة طبيّة ، لو كنتُ مكانكم لقتلتها بدل الدفاع عنها ، خذوا عارَكم معكم لن تـُلطّخ شرف إبني أبدا ...
خرج النسوة مطأطآت الرؤوس من الذلّ الذي أصابهنّ ، وأهل العريس يقدفونهنّ بوابل من الشتائم والبصق ..
ندبتْ الأمّ حظّها وحظّ ابنتها التعيس :
ـ كيف أخبر إخوانك وأصهاري ...وا فضيحتاه... سيكون شرفنا عِلكة تلوكه كلّ القبائل المجاورة..

لم تصدّق الطاهرة ما حدث ٬ لماذا تحوّل فرحها إلى منصّة إعدام ، لما شنقت بالساحة العامة ، أمام كل الجموع ، أقارب وأعداء...
لقد
ضاعت ولن تستطع أبدا أن ترفع حتّى عينيها أمام العالم وأمام أمّها ، كانت
الدموع تنهمرعلى خدّيْها ..كأنّها أبتْ إلاّ أن تغسل هذا الشرف ملطّخ...
شرفها وشرف أهلها ، لكن ما السبيل...
ـ ماذا حدث أخبريني ...قالت الأم بصوت ملكوم
ـ
لا شئ أمّي ..إنّه مخمور بماء الحياة ..إنّه فاشل وعجز عن فكّ عذارتي ،
رغم محاولاته العديدة ...كم هو حقير أمّي ، برّأ نفسه واتهمني في شرفي ...
قاطعتها أمّها وتعالى نحيبها أكثر ..
ـ
أصمتي ، لا أريد سماع صوتك ... قد فضحنا الكلب ومرّغ شرفنا بالتراب ..الله
يلعن خِلفة البنات ...ليتني متّ قبل أن أصل للبيت وأخبر إخوانك ...

أعـْيُنُ القريبات لم ترحمها ، هناك مُشكّك وهناك مُصدّق
لِما ادّعاه العريس ....لُعن يومٌ اصطحبناها فيه ، ولُعن يومٌ كانت
قريبتهنّ ، سوف يحاكمن بفعلتها ، وتلحق لعنة العار ببناتهنّ ...
وكلّ
كلماتهنّ لا تزيدُ سوى غرزَ الخنجر في الجرح أكثر فأكثر ، وكأنّهنّ يتمتّعن
بعذابها ، ولم يكفيهنّ ما أصابها ، وكلّ واحدة تستفسر عن ما جرى وكيف
ولماذا... وهي وأمّها رؤوسٌ مخفضة ودموعٌ لم تتوقف..

ردّدت الأمّ بيأس منفرط يُدمي القلب:
ـ ربّما يكون الخبر وصل إلى البيت ...كيف أواجههم ...كيف أدافع عن شرفٍ مرّغه كلب بالتراب ..
من يردّ عنّا الفضيحة ، من يسدّ أفواه الناس ويرْدَعَهم عن الكلام ...
ما نفـْعُ هذه الورقة اللعينة ولوْ شهدتْ ببراءتك ... بعد قوْل الجميع أنّك طُردتي يوم دُخلتك ...
أكيد ، لا أحدًا سيصدّقنا ... إلاهي رحمتك ...

إبتدأت الأمّ تـُهلْوِس كأنّها أصيبتْ بالجنون ، غير
مبالية بوَقع الكلمات على الطاهرة ، نعم ، كيف تبالي لِمنْ أصبحتْ عِبءًا
ثقيلا وعارًا وجَبَ التخلّص منه ...
بكتْ الطاهرة بصمتٍ وألم ، بكتْ حالها ، بكتْ حال أمّها...
وأخيرا ... جاءهم الفرج من قريبة عاقر ، تطوّعتْ لتستضيف الطاهرة في بيتها ، لأسابيع حتّى يتناسى أهل البلدة حكايتها...
إتجهت
الطاهرة مع خالتها إلى منزل الخالة فاطمة بصمت ، والهواجس المؤلمة قد
أتعبت عقلها الصغير، دون أن تجد تفسيرا مقنعًا لما حصل لها ...
هل هي السبب ، هل خاتم عذارتها صعبُ الفكّ ،
هل الخمر السبب ،
هل ضعفٌ جنسيّ للعريس السبب...
تساؤلات آلمتـْها طول الطريق إلى بيت الخالة ، لما طالت هذه الليلة كأنها دهرا...
لِما لم يبزغ نور الفجر بعد ، لما حلّ الظلام الدامس ، بعدما كانت ليلة مقمرة في بدايتها .....
لن تشتكي ، ما نفع الكلام الآن ...
لقد
كانت منْ قبلُ حسناء القرية ، ومصدر فخر عائلتها ، لكنّ الظالم اللعين ،
في لحظة جعل منها أقذر وأحقر نساء القرية ، لن يصدّقها أحد ، لأنّ وشوَشة
رجلٍ أعلى من صرختها ، فما بالُ أنينها.....
لن تجد بعدَ الآن صدرا
تبكي في حضنه ، ولن تجد من يمسح العار عنها ، سوى الموت ، ستعيش هنا خادمة
تحت أقدام الكلّ ... ما أن تشتكي ، حتّى تـُرفع ورقة العار في وجهها ،
لتذلّها أكثر...
ـ شهادة طبيّة ، هيهات ما نفـْعُها إذن ، ما نفعُ ورقة
تشهد ببراءتي إن كان القاضي مُجتمعٌ ظالم وتقاليدٌ عمياء...لقد حكم ونفـّذ
الجميع حكمه دون رحمة...والضحية بالنسبة لهم الحسين ،رجل بدون رحمة ولا قلب
ولاضمير ، حسبي الله ونعم الوكيل.

في غرفة معزولة عند خالتها ، كلام أمّها تردّد كصدًى رهيبًا في أذنيْها:
ـ إهتمّي بها يا فاطمة ، انها فلذة كبدي، لكنّ القدر أقسى ، وما عليها سوى أن تختفي من حياتنا ، حتّى نحاول أن نستمرّ في العيش ...
كانت
كلمات الأمّ عفوية للخالة ، لكنّها كانت بالنسبة للطاهرة سكاكين تقطّع
أحشاءها ، حتّى أمّها تمنـّت موتها ، إنّها أصبحت كلبا مصعورًا ، يسعى
الكلّ لعقره أو الإبتعاد منه ، حتّى لا تنتقل إليهم عدواه ...

كم هي باردة هذه الغرفة ، وكم هي مظلمة هذه الحياة ...
لقد قررتْ الرحيل بعيدا ، بآلامها وضياعها ، حتّى أهلها منعوها من رفع دعوة
ضدّ الحسين لتستردّ شرفها ، لقد برّروا الظلم بقولهم : ما ينفع الحكم الآن
، وقد حكم المجتمعُ والأعرافُ ، وانتهى الأمر ...

لكن ، هل الرحيل سيمحي عارها ويُبْكم الأفواه...لم تفكر الاجابة...كثيرا
بل حملت نفسها بخطى متثاقلة وهي توَدّع البلدة التي حملتها ، أرضٌ شاهدة
على عفافها ، ودّعتْ الأشجار التي تخبّأت يومًا ما وراءها ، وهي تضحك
وتلعبُ مع قريناتها ، ودّعتْ الزرع والأحجار ، بنظرة منْ أعينٍ تذرف دمْعَ
الفراق...
لكن لم تستطع أن تودّع بشرًا ولوْ من أهلها ، ولوْ أمّها...
فقط ، لن يسمحوا لها بتوديعهم ، لقد محوْها من ذاكرتهم ، لقد أصبحتْ رميما مندثرا....


رحلتْ إلى البيضاء ، مدينة بأضواءٍ ساحرة ، وعماراة شاهقة ، وشوارعَ واسعة مكتضّة ...
رحلتْ وضاعتْ هناك ، في زحمة خانقة ...
20:45
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shamel.forummaroc.net
 
عدالة عمياء أعدمت عدراءا بقلمي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  مسرحية نملة و نمول بقلمي
»  معاناة زوجة ... بقلمي.. تم اضافة الجزء 1..2..3...4....6 ..7 ..8 .9 والنهاية
»  اريد أن أعيش آلامي وحدي......(إهداء لأخي الغالي فاتح).... بقلمي
»  ما اصعب ان تحب في هدا زمان*** بقلمي متواضع
»  أنتحار مع وقف التنفيذ .. بقلمي بعد طول غياب .....

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مرجعكم الشامل :: الاقســـــــــام الادبيــــــــــــــــــه و الثقـــــــــافـــــــــيـــــــــه :: منتـــدئ القـصـص والروايــات-
انتقل الى: