أعلم
أن الزوجين إذا تطلقا فإن المرأة لها الحق الأكبر في حضانة الأطفال الغير
بالغين، ولكنها إذا تزوجت فإن حق الزوج يكون أكبر . سؤالي أن الأب إذا لم
يؤد حق النفقة على أولاده فهل لا يزال له الحق بأن يأخذ الأولاد من أمهم ؟
أنا أتحدث عن رجل يقول بأنه قادر على النفقة ، تزوج امرأة أخرى وله منها
ولد وهو ينفق على هذا الولد ولكنه لا ينفق على ولديه من زوجته الأولى .
يقول لزوجته الأولى بأنها لو تزوجت مرة أخرى فإنه سيأخذ منها الأولاد ، هل
هذا صحيح ؟
الحمد لله
أولاً :
من المجمع عليه بين العلماء أن المرأة أحق بحضانة الطفل ما لم يبلغ سن
التمييز، حيث إن الطفل في هذه المرحلة من العمر بحاجة إلى الحنان ونوع من
الرعاية لا يقدر عليها إلا النساء ، ولكن هذا الحق يسقط إذا تزوجت ، لأنها
تنشغل بزوجها عن القيام بخدمة ولدها ، ولتعارض المصالح مصلحة المحضون
ومصلحة الزوج، وقد نقل ابن المنذر رحمه الله إجماع العلماء على سقوط حق ا
لأم في الحضانة بالزواج.
ينظر: "الكافي" لابن عبد البر (1/296) ، "المغني" (8/194) .
ويدل على هذا حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ
امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ
بَطْنِي لَهُ وِعَاءً ، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً ، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً ،
وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي ، وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي ،
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي ) رواه أحمد (6707) وأبو داود
(2276) ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود ، وصححه ابن كثير في "إرشاد
الفقيه" (2/250) .
ثانياً:
نفقة الأولاد واجبة على الأب باتفاق العلماء ، سواء أمسك زوجته أو
طلقها ، وسواء كانت الزوجة فقيرة أم غنية ، فلا يلزمها الإنفاق على الأولاد
مع وجود الأب .
وفي حال حضانة المطلقة للأولاد ، فإن نفقة الأولاد على أبيهم ، وللحاضنة المرضع أن تطلب أجرة على إرضاعها الطفل .
والنفقة على الأولاد ، تشمل المسكن والمأكل والمشرب والملبس والتعليم
.... وكل ما يحتاجون إليه ، وتقدر بالمعروف ، ويراعى فيها حال الزوج ؛
لقوله تعالى : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ
يُسْرًا ) الطلاق/7 ، وهذا يختلف من بلد لآخر ، ومن شخص لآخر .
فإذا كان الزوج غنياً فالنفقة على قدر غناه ، أو كان فقيراً أو متوسط
الحال فعلى حسب حاله أيضاً ، وإذا اتفق الوالدان على قدر معين من المال ،
قليلاً كان أو كثيراً ، فالأمر لهما ، وأما عند التنازع فالذي يفصل في ذلك
هو القاضي .
ويجوز للمطلقة أن تطالب زوجها بأجرة إرضاعها الطفل باتفاق العلماء .
قال ابن قدامة رحمه الله : " رضاع الولد على الأب وحده ، وليس له إجبار
أمه على رضاعه إذا كانت مطلقة، لا نعلم في ذلك خلافاً " انتهى من "المغني"
(11/430) بتصرف .
وقال أيضاً : " الأم إذا طلبت إرضاعه بأجر مثلها فهي أحق به ، سواء وجد الأب مرضعة متبرعة أو لم يجد " المغني (11/431) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وأما أجر الرضاع فلها ذلك
باتفاق العلماء , كما قال تعالى : ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) " انتهى
من "الفتاوى الكبرى" (3/347).
ثالثاً :
باعتبار أن الحضانة - كما عرفها جمعٌ من العلماء - " القيام بحفظ من لا
يميز ولا يستقل بأمره وتربيته بما يصلحه ووقايته عما يؤذيه" "روضة
الطالبين " (9/98) ، وأن المقصود بها رعاية الصغير والقيام بشؤونه فالمراعى
في الحضانة هو مصلحة المحضون ، لذا فإن الأب إذا امتنع عن القيام بهذا
الواجب- ومنه النفقة - تجاه طفله فهو آثم بذلك ، ويسقط حقه في الحضانة، قال
في الروض المربع " ولا يقر محضون بيد من لا يَصونه ويصلحه لفوات المقصود
من الحضانة ". " الروض المربع " (3/251) .
وقال ابن قدامة المقدسي: " والحضانة إنما تثبت لحظ الولد فلا تشرع على
وجه يكون فيه هلاكه وهلاك دينه" . " المغني" (8/190) ، وقال ابن القيم: "
على أنا إذا قدمنا أحد الأبوين فلا بد أن نُراعي صيانته وحفظَه للطفل،
ولهذا قال مالك والليث: إذا لم تكن الأم في موضع حرزٍ وتحصين، أو كانَتْ
غيرَ مرضية، فللأب أخذُ البنت منها، وكذلك الإِمامُ أحمد رحمه اللّه في
الرواية المشهورة عنه، فإنه يعتبر قدرتَه على الحفظ والصيانة. فإن كان
مهملاً لذلك ، أو عاجزاً عنه، أو غيرَ مرضي، أو ذا دِياثة والأم بخلافه،
فهي أحقُّ بالبنتِ بلا ريب ، قال شيخنا: وإذا ترك أحدُ الأبوين تعليم
الصبي، وأمره الذي أوجبه اللّه عليه، فهو عاصٍ، ولا وِلاية له عليه، بل
كُلُّ من لم يقم بالواجب في ولايته ، فلا ولاية له ، بل إما أن تُرفع يدُه
عن الولاية ويُقام من يفعل الواجب ، وإما أن يُضم إليه مَنْ يقومُ معه
بالواجب ، إذ المقصودُ طاعةُ الله ورسوله بحسب الإِمكان..... فلو قدر أن
الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته، ولا تقوم بها وأمها أقوم بمصلحتها
من تلك الضرة، فالحضانة للأم قطعاً ". "زاد المعاد" (5/424) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي : " فأما إذا أهمل أحدها ما يجب عليه من
حضانة ولده وأهمله عما يصلحه فإن ولايته تسقط ويتعين الآخر". " الفتاوى
السعدية " (ص 535) .
فعلى هذا ، إذا امتنع الأب من النفقة على أولاده سقط حقه في حضانتهم ،
حتى ولو كان امتناعه من أجل الإضرار بالأم ، فهذا يدل على أنه غير مؤتمن
على مصالح أولاده ، وللأم مطالبته عند القاضي بالنفقة على أولاده .
والله أعلم