مرجعكم الشامل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مرجعكم الشامل

مرجعكم الشامل
 
الرئيسيةالتسجيلأحدث الصوردخول



 

  حَديقَة النّبِي و آلهَة الأرْض ..[ جبران خَليل جبران ] حَديقَة النّبي: جزء .4

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
administrator

 حَديقَة النّبِي و آلهَة الأرْض ..[ جبران خَليل جبران ] حَديقَة النّبي: جزء .4 Starsk11
administrator


الجنس ذكر
البلد العراق
عدد المساهمات 4923
تاريخ التسجيل 21/03/2011

 حَديقَة النّبِي و آلهَة الأرْض ..[ جبران خَليل جبران ] حَديقَة النّبي: جزء .4 Empty
مُساهمةموضوع: حَديقَة النّبِي و آلهَة الأرْض ..[ جبران خَليل جبران ] حَديقَة النّبي: جزء .4    حَديقَة النّبِي و آلهَة الأرْض ..[ جبران خَليل جبران ] حَديقَة النّبي: جزء .4 I_icon_minitimeالخميس 19 أبريل 2012, 9:04 am

حديقة النبي
1


عاد المُصطفى ، المختار ، المحبوب الذي عاش ضحى مؤتلقا حتى أتاه يومه ، إلى جزيرة مولده في شهر تشرين ، شهر التذكار.

وما ان اقتربت سفينته من المرفإ حتى انتصب واقفا على مقدّمها ، ووقف حوله بحّارته ، وقد أفعمت قلبه الفرحة بلقاء الوطن .

وراح
يتكلّم ، والبحر يهدر في صوته ويقول : (( ها هي ذي جزيرة مولدنا ، لقد
لفظتنا الأرض هنا ، أغنية ولغزا : أغنية تتسامى إلى السماء ، ولغزا تحاربه
الأرض . وأي شيء هناك بين الأرض والسماء يُقلّ الأغنية ويحلّ اللغز سوى
هوانا ؟


((
لقد لفظنا البحر مرّة أخرى إلى هذه الشطآن ، وما نحن سوى موجة أخرى من
موجاته . دفع بنا لنردّد كلامه ، ولكن كيف لنا أن نَقُوم بذلك ، ما لم
نحطّم تناغم قُلوبنا على الصخر والرمل ؟


((
تلك هي شريعة البحر والبحّارة ، فإذا أنت أردت الحرية كان عليك أن تحوّل
حاجات الحياة إلى ضباب . إن ما لا شكل له ينشد أبدا أن يكون ذا شكل ، حتى
السديم الذي لا يُعد ، يودّ أن يتحوّل إلى شموس وأقمار ، ونحن الذين طلبنا
الكثير وعدنا الآن إلى الجزيرة قوالب صلبة ، علينا أن نصبح ضبابا مرة أخرى ،
ونأخذ في التعلّم من البدء . وأي شيء هناك ينمو ويشهق في الأعالي إلا وهو
يتحطّم عند الهوى والحريّة.


((
سنظل بعد اليوم ، والى الأبد ، ننشد الشطآن التي نملك فيها أن نتغنى ،
ونجد عليها من يستمع إلينا . ولكن مالقول في الموجة التي تتحطّم ولا من أذن
تسمع تحطّمها ؟ إن ما يحتضن أسانا الأعمق ويغذّيه عو تلك الأنغام التي لا
يسمعها أحد ، وهذه الأنغام أيضا هي التي تحفر في قرارة أرواحنا لتصوغ
مصائرنا وتقولبها )).


وعند
ذاك تقدّم أحد بحّارته وقال : (( لَقد قُدْتَ أيها المُعلم حنيننا إلى
هذا المرفإ ، وها نحن وصلنا ، ومع ذلك تتحدّث عن الأسى والقلوب التي
ينتظرها التحطّم )).


أجابه
قائلا : (( ألم أتحدّث عن الحرية ، وعن الضباب الذي هو حريتنا الكبرى ؟
ومع ذلك ، فإني بألم حجبتُ إلى جزيرة مولدي حتى كما لو كنت طيف ذبيح جاء
يركع أمام أولئك الذين ذبحوه )).


وتكلّم
بحار آخر وقال : (( ها هي الجماهير على الشاطئ . لقد تنبّأت في صمتها ،
حتى عن يوم قدومك وساعته واجتمعت من حقولها وكرومها ، لانتظارك ، تعبيرا عن
حبّها واشتياقها )).


وألقى المصطفى من بعيد ، بنظرة على الماهير ، فعاودت قلبه ذكريات حنينها إليه ، وصمت .

وارتفعت لحظتئذ صرخة من أعماق الشعب ، وكانت صرخة ادّكارٍ واستعطاف .

ونظر
إلى بحارته وقال : (( وما الذي أتيت به إليهم ؟ صيّادا كنت أنا في أرض
نائية . وقد أفرغت بعزم وتصميم جعبتي من السهام الذهبية التي قدّموها إليّ ،
غير أني لم آتهم بألهيّة ما ، ولم أتْبَع السهام ، ربما كانوا الآن قد
انتشروا تحت الشمس مع ريش النسور الجريحة التي لا تهوى على الأرض . ولربما
هوت رؤوس السهام بين أيدي أولئك الذين هم في حاجة إليها ، لينالوا بها خبزا
وخمرا .


(( أنا لا أعرف ما حلّ بها وهي تطير ، ولا أين طارت ، غير أني أعرف أنها مالت وهي في السماء )).

((
حتّى ولو كان الأمر كذلك ، لا يزال الحب ملء يدي ، وأنتم يا بحّارتي لا
تزالون توجّهون شراع رؤيتي في البحر ، ولن أكون أبكم ، سوف يرتفع صراخي
حين تضغط يد الفصول على عنقي ، وسأغني كلماتي حين تلتهب شفتاي )).


وسرى
الإضطراب إلى قلوبهم ، وهو يقول لهم هذه الأشياء ، وتكلم أحدهم قائلا : ((
علمنا أيها المعلم كل شيء ا ربما أدركنا ما تقول لأن دمك يجري في عروقنا ،
وأنفسنا من عبق طيبك )).


عند
ذلك أجابهم والريح تهبّ في صوته ، وقال : (( أتركم جئتم إلى جزيرة مولدي
لأكون معلما ؟ أنا ما زلت حتى الآن خارج قفص الحكمة وإني لصغير السن ، طريّ
العود إلى درجة لا تتيح لي أن أتكلم عن أيّ شيء ، إلا عن نفسي التي ستظلّ
إلى الأبد ، النداء العميق للعميق .


((
دعوا ذلك الذي يبتغي الحكمة ، ينشدها في زهرة الأقحوان الأصفر ، أو في
حفنة من الطين الأحمر . فأنا ما زلت حتى الآن المغني ، وسأغني جمال الأرض ،
وحلمكم الضائع الذي يتنزه النهار كله بين رقدة اليقظة ورقدة الكرى ، غير
أني لن آلو تحديقا إلى البحر )).


ودخلت
السفينة المرفأ ، وبلغت الشط ، وهكذا وصل إلى جزيرة مولده ، ووقف مرة أخرى
بين أهله ، وارتفعت صرخة عالية من أعماق قلوبهم ، اهتزّت لها صحراء حنينه
في قرارة سريرته.


وخيّم
عليهم الصمت وهم يتوقعون سماع كلماته ولكنه لم يستجب لهم ، لأن كآبة
الذكرى أفعمت نفسه ، وقال في سرّه : (( ألم أقل إنني سأغنّي ؟ ها أنا لا
أملك إلا أن أفتح شفتيَّ ، ولصوت الحياة أن يغدو ويروح مع الريح لينعم
بالفرح ويعين عليه )).


وعند
ذاك ، تقدمت كريمة ، تلك الصبية التي كانت تلعب معه في حديقة أمه ، وقالت :
(( أخفيت عنا وجهك اثني عشر عاما ، ومنذ اثني عشر عاما ونحن نتلهف لسماع
صوتك )).


ونظر إليها برقّة متناهية ، لأنها هي التي أطبقت جفون والدته حين أقلتها أجنحة الموت البيضاء إلى السماء .

ثم
أجاب قائلا : (( اثنا عشر عاما ؟ قلت : منذ اثني عشر عاما يا كريمة ؟ أنا
لا أقيس حنيني بمقياس المجرّة ، ولا أرجّع عمق الصدى منها ، وذلك لأن الحب
عندما يكون حبّ حنين يستنفذ مقاييس الزمن ، وترجيعاته .


(( هناك لحظات تحمل دهورا من فراق ، والنوى مع ذلك ليس إلا ضنى الروح ، وربما نحن لم نبتعد قطّ عن بعضنا )).

ونظر
المصطفى إلى الناس ، وأبصر جمعهم كله ، شيبا وشبانا ، هزالى ومعافين ،
أولئك الذين لفحتهم الشمس والريح ، والذين تبدو عليهم نضرة النعيم ، ورأى
على وجوههم شعاعا من الشوق والسؤال.


وتكلم
أحدهم فقال : (( لقد خيّبت الحياة ، أيها المعلم ، آمالنا ورغائبنا ، خيبة
مريرة ، وإن قلوبنا لواجفة ، فلا ندرك بعد شيئا . أرجوك أن ترفّه عنا ،
وتكشف لنا معاني أحزاننا )).


واختلج
قلبه بالرأفة وقال : (( الحياة أقدم من جميع الكائنات الحية ، حتى الجمال
تجنّح قبل أن يولد الجميل على الأرض ، والحقيقة منذُ كانت حقيقة ، عُرِفت
ووُجد من تفوّه بها .


(( الحياة تتغنّى في صمتنا ، وتحلم في كرانا ، وحتى عندما نُغلب على أمرنا ونهوي ، تظلّ الحياة سامية معتلية عرشها .

وعندما نبكي ، تبسم الحياة للنهار ، وتكون حرة حتى عندما نجرّ سلاسل عبوديتنا .

((
كثيرا ما نطلق على الحياة أفظع النعوت والأسماء ، عندما نكون نحن أنفسنا
في ظلمة ومرارة ، وكثيرا ما نحسبها جوفاء لا جدوى فيها ، عندما تتيه
أرواحنا ضالّة في القفار الجرداء ، وتكون قلوبنا سكرى بخمرة الحرص والجشع .


((
الحياة عميقة وسامية ونائية غامضة . وإنها مع ذلك لقريبة . وإن كان نظركم
الواسع لا يستطيع أن يبلغ إلا أقدامها ، وإن ظلّ ظلّكم يعترض طلعتها . وإن
كان نفسُ نفسكم لا يبلغ إلا قلبها ، وكان صدى أدقّ همسة منكم يتحوّل إلى
ربيع وخريفٍ في صدرها.


((
والحياة مقنّعة ومخبّأة ، تماما كما هي روحكم الكبرى مقنّعة وخافية .
عندما تتكلم الحياة ، تتحول مع ذلك الرياح جميعها إلى كلمات ، وحين تتكلم
ثانية ، تتحول البسمات على شفاههم ، والدموع في عيونهم ، إلى كلمات أيضا ،
وعندما تتغنى يسمعها الصم وترتفع بهم إلى سمائها ، وحين تقبل ماشية يهلّل
لها ذوو الأبصار المكفوفة ، وتأخذهم الدهشة ، ويتبعون خطاها في رعدة وذهول
)).


وانقطع الكلام ، وغمر الناس صمت شامل ، وارتفع في فضاء ذلك الصمت نشيد لا يُسمع ، وسرّي عن الحضور ، ما كانوا فيه من همّ وضيق.
[ 2 ]


... وكان منهم أن تركهم ،
وسلك الطريق القويم الذي يقود رأسا إلى حديقته التي كانت من قبل حديقة أمه
وأبيه ، وفيها كان يرقد أجدادهما .
وكان هناك أولئك الذين سيأتون من
بعده ، ورأى بأم عينه أنها المقرّ الأخير ، وأنه وحيد فيها ، إذ لم يبق ثمة
أحد من أقاربه يحتفل بقدومه ويقيم مأدبة الترحيب به على طريقة أهله.
إلا
أن ربّان سفينته نصحهم قائلا : (( دعوه يتابع طريقته في الحياة ، وتحمّلوه
، لأن خبزه خبز الوحدة ، وفي كأسه خمرة الذكرى التي يحتسيها وحده )).
وقف
بحاروه راجعين لأنهم كانوا يعرفون أن أمره كما أنبأهم به ربّان السفينة ،
وكبح أولئك الذين تجمعوا على الشطّ من اندفاعهم نحوه وعادوا برمتهم من حيث
أقبلوا .
ولكن كريمة وحدها تبعته ، بخطى وئيدة ، وفيها توقٌ إلى وحدته
وذكرياته ، ولم تقل شيئا ، ، إلا أنها حوّلت وجهة سيرها نحو بيتها الخاص ،
وفي الحديقة ، في ظلّ اللوزة بكت ، ولم تدر لم تبكي.








[ 3 ]



وجاء المصطفى ، ولقي حديقة أمه وأبيه ، ودخلها ، وأغلق بوّابتها بحيث لا يستطيع أحد أن يلجها بعده .
وأقام أربعين يوما وليلة وحده في ذلك المنزل وتلك الحديقة ولم يفد عليه أحد ، إذ كانت مقفلة ، والكل يعرف أنه متفرد ، وحيد .
وعندما انتهت الأيام الأربعون بلياليها فتح المصطفى البوّابة ، وأصبح في مستطاع الناس أن يدخلوا.
وجاءه تسعة رجال ليقيموا معه في الحديقة : ثلاثة بحارة من سفينته ، وثلاثة ممن كانوا صبية معا . وهؤلاء كانوا تلاميذته.

وذات
صباح ، جلس تلامذته حوله ، وكانت عيناه تأتلقان بذكريات بعيدة ، وتهيمان
في أقاصٍ نائية . وخاطبه، أول من خاطبه ، ذلك التلميذ الذي كان يدعي
<< الحافظ >> حدثنا يا معلم عن مدينة أورفليس ، وعن تلك
الأرض التي أقيمت فيها تلك السنوات الاِثنتي عشر )).
بقي المصطفى صامتا ، وألقى ببصره بعيدا على الروابي ، والمدى الأثير الرحب ، وبدا صمته مشحونا بصراع داخلي .

ثم قال : (( يا أصدقائي ويا رفاق طريقي ، ويل لأمة تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين .
(( ويل لأمة تلبس مما لا تنسج ، وتأكل مما لاتزرع ، وتشرب مما لاتعصر.

(( ويل لأمة تحسب المستبد بطلا ، وتري الفاتح المذل بطلا .
(( ويل لأمة تكره الشهوة في أحلامها ، وتعنو لها في يقظتها .
(( ويل لأمة لا ترفع صوتها إلا إذا مشت في جنازة ، ولا تفخر إلا بالخرائب ، ولا تثور إلا وعنقها بين السيف والنطع.

(( ويل لأمة تستقبل حاكمها بالتطبيل وتودعه بالصفير ، لتستقبل آخر بالتطبيل والتزمير .

(( ويل لأمة حكماؤها خرس من وقر السنين ، ورجالها الأشداء لا يزالون في أقمطة السرير .

(( ويل لأمة مقسمة إلى أجزاء ، وكل جزء يحسب نفسه فيها أمة )).

الى اللقاء في الجزء الرابع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shamel.forummaroc.net
 
حَديقَة النّبِي و آلهَة الأرْض ..[ جبران خَليل جبران ] حَديقَة النّبي: جزء .4
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مرجعكم الشامل :: الاقســـــــــام الادبيــــــــــــــــــه و الثقـــــــــافـــــــــيـــــــــه :: منتـــدئ القـصـص والروايــات-
انتقل الى: