administrator
4923 21/03/2011
| موضوع: ===== ليلة من الواقـــــــع (((أســـــــرار مع الملك))).... الخميس 19 أبريل 2012, 9:00 am | |
| تمر الأيام علي وأنا مبحر بسفينة الأمل في بحر من المشاكل والأزمات، يطمئن قلبي في بعض المرات كأن ريحا طيبة هبت عليه تحمل بشائر الرزق
والوظيفة والزواج والتحرر من قيود الضعف التي كادت تهلكني، أحمل رجلي مستبشرا لأرمي أول خطوة لي في طريق الصواب كما حسبته...
تفاجئني ريح عاصف من حيث لا أعلم، تثير علي الموج فيحيط بي من كل مكان فأظن أني هالك فيه لا محالة، أصير كحيران استهوته الشياطين،
لا أعرف أي مسلك أسلك، ولا لمن أشتكي، ولا بمن ألوذ، تضيق الأرض بما رحبت حقا خاصة وأنا مع رفاقي ليس لدينا مكان في قلوبنا للاعتراف،
ولا حتى لمجرد وقفة مع النفس...
هكذا تحدثت مع نفسي ذات ليلة سرقت فيها الريح العاصف طاقة الكهرباء من قريتنا وحرمتني من مشاهدة فيلم جديد على قناتي المفضلة.
طبعا لم أجد ما أفعله لذا وجدت هذه الأفكار العاطفية طريقها إلى رأسي...
(ربيع.. ربيع..) كأن أحدهم يناديني من الخارج.
(من هذا المجنون الذي يزعجني في هذه الظلمة) هكذا خاطبت نفسي وأنا أقاومها لأحملها للقيام من الفراش.
(ربيع، ربيع... قم إنه صديقك سمير) صوت أبي (كما أتخيله).
خرجت من منزلي ملتحفا بغطائي حتى لا تصيبني نبال الزكام التي كانت تتطاير خبط عشواء تبحث عن دفاع ضعيف لتسجل مجموعة من الأهداف.
(أهلا سمير، ماذا تريد في هذا الوقت المتأخر، ألا تعلم أنه وقت عورة) هكذا خاطبته بعدما رسمت ملامح الجدية على وجهي بدون ألوان.
(وقت عورة للمتزوجين وليس للعزاب مثلك.. ههههه) رد علي بسخرية مثيرة قال بعدها:
(لقد جئتك ببشارة خير، وخبر يبهج قلبك).
ما أجمل هذه الكلمة، ما أحلى كلمة البشارة، إنها تعني الخروج من الوحل الخروج إلى النور، الهروب دون أن يلحقك الزمن...
(خيرا يا سمير لقد أثرت فضولي وشوقت قلبي).
(غدا إن شاء الله لدينا لقاء من أجل الانتقاء) وصمت لبرهة لم أتمالك نفسي خلالها.
(تكلم أرجوك يا سمير، لا تصمت الآن).
أخرج علبة السجائر من جيبه، أخرج سيجارة بأطراف أصابعه ثم قال وهو يشعلها:
(دعني أنعش رئتي ببعض النيكوتين ثم أخبرك).
وبعد أن أخذ نفسا عميقا من السيجارة قال وهو يخرج سحابة من الدخان...
(هي شركة كبيرة خاصة، مختصة في البناءات المعدنية، ما رأيك؟).
ذهلت وارتبط لساني حتى أنني لم أنتبه للكهرباء التي عادت لمجرد توقف سمير عن الكلام.
(انظر، هو فأل خير علينا، حتى الكهرباء عادت، حلت القضية بإذن الله، قضي الأمر ونلنا الوظيفة).
كنت مسافرا إلى بعيد راكبا بساط الخيال الذي غدوه سنين ورواحه سنين...
تذكرت لقاءات الانتقاء الكثيرة التي أجريتها، حيث كانت هناك طوابير من البؤساء من أصحاب الشهادات، حيث كان هناك الكثير من المستعدين ليدفعوا الرشاوى،
والأجساد والعباد والمبادئ والبلاد والضمير والدين من أجل الوظيفة الثابتة المستقرة المحترمة، حيث التأمين، حيث التقاعد وحيث .. وحيث..
لم أستبشر بأي منها كما استبشرت بهذه التي جاء بها سمير إلى في ساعة مظلمة أنارت في أثناء كلامه...
(سمير.. لقد أفرحتني حقا.. لكنك تعلم الواقع المر الذي لا أريد أن أذكرك به يا صديقي).
هكذا خاطبته محاولا أن أعيده إلى الواقع.
(لا تقلق، هذه المرة ليست كغيرها، على الأقل سأنجح أنا وأنال الوظيفة، وربما أنت أيضا).
(لا يهمني الأمر، المهم أن ينقص واحد من قائمة البطالين، لكن ما الذي يجعلك تتكلم بهذه الثقة، أليس هناك مترشحون آخرون يا سمير).
مسح عينه وأخذ نفسا عميقا آخر من سيجارته ثم قال:
(بلى، هناك الآلاف، لكنني أعرف صاحب الشركة).
هكذا قالها دون تردد، أن تعرف صاحب شركة كهذه في عصرنا كأنك تعرف قابض الكنيسة وفارض الضرائب في العصر الإقطاعي، إنها تشبه الكرامة حقا.
(كيف تعرفه يا سمير، كيف وصلت إليه؟؟).
(ليست معرفة كما تتخيلها، وليست أيضا وساطة..)
(ما هي إذا؟؟).
(هي أسرار بيني وبينه، سيتذكرها ما إن يبصرني وسْط جموع المترشحين، وتلك الأسرار ستضمن لي الفوز بالوظيفة).
(سبحان الله، ماذا يقصد سمير بهذه الأسرار؟ ما الذي فعله؟) هكذا كنت أتساءل في نفسي قبل أن يجيبني سمير لمحض إرادته:
(لقد قدمت له خدمة كبيرة ذات مرة، كان وحيدا عندما تعطلت سيارته، نزل ليصلحها ففاجأه مجموعة من الشباب الفقراء البؤساء الذين اتبعوا طريق الشقاء، وأرادوا سلبه ما يملك والاعتداء عليه بحجة أنه غني بعد أن عرفوا ذلك من خلال مظهره...
كنت عائدا من رحلة الصيد مع عصافيري الصغيرة، توقفت عندهم ودافعت عنه بكل ما أتيت من حجة، بل إنني أقنعتهم، فردوا إليه ما سرقوه منه وتعاونا جميعا على دفع السيارة إلى الميكانيكي، وكنا نضحك جميعا منه ومن أنفسنا، وصرنا كأننا أصدقاء...
بقيت معه وكذلك اللصوص إلى أن أصلح سيارته، وعندما هم بالمغادرة خاطبني قائلا دون أن يسمع الآخرون:
اسمع بني، اسأل عني أنا..
وقبل أن يتلفظ باسمه قاطعته قائلا:
هل تعرف، أنت لا تهمني واسمك لا يهمني.. اذهب في سبيلك ونحن نذهب في سبيلنا..
عندها تنهد الرجل ثم قال: أنت رجل، والرجل لا يُخشى عليه.. السلام عليكم..
هذا ما حدث مع مدير الشركة).
هذا هو سمير حقا وهذه هي أخلاقنا، المروءة والإفلاس، البحر والصحراء كل ذلك يجتمع فينا، لم يفاجئني موقفه، لو كان أي واحد من رفقتنا كان سيفعل الشيء نفسه.
(كيف عرفت أنه مدير هذه الشركة؟).
(من خلال الإعلام، طبعا، لقد لمّح إلى قصتي معه في حديث له عن الشباب لأحدى الجرائد المشهورة).
غادر سمير وتركني موقنا مرتاح البال مطمئنا عليه بأنه سينال الوظيفة، لأنه رجل والرجل لا يخشى عليه.
ما قض مضجعي تلك الليلة، وما سلبني النوم، وما منعني من مشاهدة الفيلم الجديد على قناتي المفضلة هو تدبري في كلمة أسرار، وأي أسرار كتلك التي تسمح لك بالتميز وسط الآلاف من
المشاركين وتجعلك تجلب انتباه المسؤول إليك فيتذكرك ويذكر أسرارك معه.
تنهد ثم قمت من فراشي قائلا:
(وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم).
يمكنني أن أجعل لنفسي أسرارا معي ربي لا يعلمها عني إلا هو، أسرار تقر بها عيني وترضي خالقي أتميز بها بين الخلائق يوم لا ينفع مال ولا وساطة إلا من أتى الله بقلب سليم...
هناك كثير من المجالات، وللجنة ثمان أبواب، والإيمان بضع وسبعون شعبة وطرق الخير كثيرة... نعم يمكنني ذلك.
ربيع 12/2011
| |
|