- كانت الساعة تقترب من منتصف الليل ,وقفت "م" أمام المرآة , ترتدي قميص
نوم أبيض وضعت بعض الكحل في عينيها ,أطلقت شعرها المتموج, قليلا من
بودرة الخدود الحمراء لتخفي صفرة بدت واضحة على وجهها , أخيرا أحمر شفاه
لترسم إبتسامة مصطنعة ...
إستلقت في إنتظاره , أغمضت عينيها لبرهة ..
في الخارج كانت الأمطار تهطل بغزارة مع وميض البرق و دوي الرعد ,كل شيء يوحي بعاصفة قادمة..
لماّ
فتحت عيونها رأته أمامها , نظرة حزن مع أمل جديد , إبتسمت له , إقترب
منها ...إستسلمت لثانية ثم دفعته بعيدا وهي تصرخ "إبتعد عني ...إبتعد
عني ...دعني و شأني "
رمقها بنظرة ملؤها الغضب والعنف كان مثل نمر مجروح :" ليس مجددا ..ليس الليلة أيضا , أنا زوجك يامجنونة..
-لماذا كل هذا الصد, تجعلنيني أشعر وكأنني سأغتصبك ؟لم أعد أطيق التحمل أكثر ...
قاطعته بتوسل " ليس أنت يازوجي الحبيب بل هو ...هو الذي أصده ليس أنت ؟
-ضحك بقسوة مخيفة و صفعها بقوة " مللت من هراءك الساذج ..من أعذارك السخيفة .. هو ...هو ...من هو ؟
لا يوجد غيرنا في الغرفة ,لا أحد هنا سوانا؟
بدأت
بالصياح لا...لا ربما أنت لا تراه لكنه هو من لمسني وليس أنت ؟ أقسم أني
أحبك و أريدك يازوجي لكنه يقف بيني وبينك ؟؟ وبدأت تجهش ببكاء حاد.
تأملها بكثير من الكره و الحقد والشفقة و القسوة و الغضب : لن يستمر زواجنا , سينتهي قريبا إن لم تغيري طباعك , مللت من ترهاتك ..
خرج من الغرفة تحت توسلاتها التي تذيب قلب الحجر ,لكن الزوج المجروح صفق الباب خلفه ,وغادر للخارج رغم الأمطار التي تزداد هطولا
- بقيت هي في الغرفة مثل جثة هامدة دون روح دون قلب , بدأت تصرخ من جديد
وهي تقول "دعني أرجوك أتركني ...مالذي تريده مني ..لماذا تسعى لتحطيم
زواجي السعيد
لماذا
تفعل هذا بي ..من أنت ؟ ماذا تريد ؟ و إستمرت كذلك حتى اغمي عليها ,
لما إستفاقت كانت الساعة تقارب الثالثة فجرا ,حملت نفسها بصعوبة , رمت
نفسها على السرير الخالي ,تذكرت
ما
مضى , إعترفت لنفسها بأنها تمادت كثيرا في إيذائه , كانت تعرف جيدا
معنى أن ترفض زوجة زوجها كل ليلة , قررت بأن تجد حلا قبل أن تفقده للأبد.
مر
أسبوع وهي لا ترى زوجها إلا نادرا في الليل , أما في النهار فلم يكن يحضر
للبيت أصلا , لم يكن ل "م" صديقات مقربات , كانت إنطوائية ووحيدة دوما
, هي كبرى أخواتها الثلاث , جميعهن
تزوجن , أختها الصغرى تزوجت منذ ثلاثة أشهر تقريبا , لطالما إعتنت بهن و فضلت مصلحتهن و سعادتهن على حساب حياتها و قلبها ...
و هاهي الأن لا تستطيع السماح لنفسها بأن تحكي لهن ما يعذبها حتى لا
تشغل بالهن , كانت لهن بمثابة الأم الرؤوم بخاصة أن الوالدة توفيت منذ زمن طويل و الوالد مقعد على كرسي متحرك.
فكرت
كثيرا و في لحظة شجاعة قررت أن تزور طبيبة نفسية , أخيرا قررت أن تبوح و
تحكي وتتحدث بعد صمت دام لأكثر من سبعة وثلاثين سنة .
- لما قابلت الطبيبة أحست براحة بخاصة لما رأت حنانا و ذكاء يشع من عينيها , بعد تعارف قصير سألتها الطبيبة
-ماهي مشكلتك إذن ؟
-ترددت"م" قليلا ثم قالت : هناك رجل ثان في حياتي .
-هلا أوضحت أكثر؟
-
أنا إمرأة متزوجة و منذ فترة صرت أرى رجلا في فراش النوم يتوسطني وزوجي
, يقف حاجزا بيني وبينه , و يمنعه من التقرب مني ...و شعرتْ بخجل كبير ..
أنت تفهمين طبعا.
- لكن لم أفهم جيدا هل ترين رجلا حقيقيا أم تتخيلين الأمر؟
- لا لا أتخيل بل أراه بوضوح , لكن زوجي لا يصدقني و يقول أنني متوهمة و مجنونة.
صمتت الطبيبة لبعض الوقت ثم سالت :
-منذ متى بدأ الأمر
-منذ حوالي شهرين.
- هل تزوجت رجلك عن حب و قناعة ؟
-نعم طبعا لطالما أحببته و لا زلت للأن .
-ربما تشعرين بالذنب , ربما أنت تعشقين رجلا غير زوجك لذا تقومين بهذا , كنوع من الهروب ؟
- ليس في بالي أي رجل آخر لو تقصدين أمرا مماثلا ولا أعاني من أي تأنيب ضمير ..أنا وفية و مخلصة لزوجي و بدأت تبكي ...
بعد أن هدأت قليلا إستمر الحوار بينهما , وطلبت الطبيبة أن تحكي لها جميع تفاصيل حياتها و عن عائلتها ,عن كل شيء يخصها..
قامت " م" مغادرة بعد إنتهاء الجلسة الأولى غير أن الطبيبة باغتتها بسؤال مفاجئ
-منذ متى و أنت متزوجة سيدة " م"؟
-سرحت قليلا ثم تمتمت وهي تضحك : نسيت متى بالضبط ربما منذ عام ونصف
تأملتها الطبيبة بنظرة تعبر على أنها فهمت كل شيء و عرفت سر المرأة المسكينة لكنها كانت بحاجة لدليل ....
بعد
جلسات ثلاث , أعطت الطبيبة جهاز كاميرا ل" م" و طلبت منها أن تضعها في
مكان سري في غرفة النوم و تسجل كل ليلة مايحدث لمدة أسبوع كامل
و أمرتها ان تستميل زوجها كلما إستطاعت حتى تتمكن من رؤية الرجل الثاني بوضوح ...
بعد مرور أسبوع حضرت "م" للطبيبة التي جهزت قاعة تحوي شاشة تلفاز لتتابع ماللذي سجلته الكاميرا السرية.
لكن قبلا سألتها : هل كان زوجك طيلة الأسبوع ينام معك ؟
-نعم
-و هل فعلت ماطلبت ؟
-نعم لقد فعلت, لكن كالعادة كان هناك الرجل الثاني , تشاجرنا لكنه لم يترك الغرفة لأنه قد قرر أن يطلقني قريبا و بكت مجددا..
كانت أنظار المرأتين مركزة على شاشة التلفاز ...و بدأ العرض ...
كانت
غرفة النوم جميلة , متناسقة , وعلى السرير كانت "م" ترقد وحيدة ,
وأستمر ت المشاهد ذاتها , طيلة أسبوع كامل لا شيء يتغير "م" وحدها على
السرير .
موضوع: "رجل ثان في حياتي" 
الخميس 19 أبريل 2012, 8:30 am
